الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

فجوات منظومة التطرف

ينحصر فكر التطرف في أبواب معينة يركز عليها دون غيرها، تركز على ما يناسبه وما يدعو إليه دون سواه، من التكفير والاستحلال وتسفيه الآخر والمخالف، والفتاوى الشاردة عن سياقاتها، بينما تهمل عشرات الأبواب الأخرى، والأنساق والمفاهيم الكبيرة في هذا التراث. أول ما أهمله التطرف هو فقه الاختلاف الفقهي واتساع المذاهب والآراء. كذلك أهمل التطرف المعاصر باباً مهماً، ما كان له أن يهمله، وهو باب النظر السياسي الإسلامي، المعروف بفقه الأحكام السلطانية الذي بدأ في القرن الرابع الهجري مع جهود الماوردي وأبي يعلي والإمام أبو المعالي الجويني واستمر مع مؤلفات كثيرة أخرى، ركزت على طبيعة الحكم وحقوق الحكام والمحكومين، وركزت على تحريم الخروج ودرء الفتن وتعايش الأمة بل وقبول قوانين التاريخ والواقع، فأنزلت بفقه الحكام - الأحكام السلطانية- وبفقه تسييس الناس والمجتمع الذي عرف بالسياسة الشرعية والطرق الحكمية على مبادئ الأخلاق والتعايش وعدم تجاوز حدود القانون وحدود القدرة في التعامل مع الآخر الحضاري، فرنجة كانوا أو مغولاً، أو طوائف أخرى، وكان هذا الباب السياسي بامتياز واقعياً وتاريخياً يمكن تطويره، ولكن أهمله التطرف المعاصر الذي صنع منظومة جديدة بدءاً مع اصطلاحات المودودي الأربعة في فهم ما هو الدين وما هي العبادة وما هو الإله وما هو الرب .. وكرره سيد قطب في كتيباته «هذا الدين» وهو ما انتقده إسلامي آخر كالندوي بأنه تجهيل واتهام بالجهل لثلاثة عشر قرناً من الجهود الفقهية والفكرية. كما أهمل المتطرفة المعاصرون من أبواب تراثنا تراث الأخلاق والتزكية، مثل ما كتبه الترمذي والآمدي والعامري، واهتمام المفكرين المسلمين بمبحث السعادة والمدينة الفاضلة وما شابه. كذلك أهمل التطرف المعاصر تراث التسامح الإسلامي العريض في التعامل مع الآخرين، حتى كان يشهد مسجد المنصور في بغداد كما يحكي آدم متز عن اجتماع كل ممثلي الأديان والطوائف في هذا المسجد يتبارون بالعقل والحجة دون تسفيه أو اتهام أو اعتداء، وكان هذا يحضر أحياناً في حضرة خلفاء كالمهدي العباسي وكنجله هارون الرشيد. هذه أمثلة وليست حصراً لفجوات الفهم المتطرف والأصولي للتاريخ والتراث الذي ينحصر في باب محدد هو الصراع كما يحصر فيه واقعنا أيضاً.