الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

المحنة السورية

يوماً بعد آخر يحكم النظام السوري قبضته على مجموعة من المناطق التي كانت خارج سيطرته حتى وقت قريب، وهو اليوم يقود معركته الفاصلة في دوما، لإخراج ما تبقى من مقاتليها الذين يرون في البقاء والمغادرة أمرين أحلاهما مر. الفصيل الذي يرفض حالياً الخروج ومغادرة دوما في الغوطة الشرقية، هو جيش الإسلام الذي تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 20 ألف مقاتل في صفوفه، وهو الجيش الوحيد ربما الذي يعتبر أكثر احترافية بين الفصائل السورية المختلفة، إضافة إلى كمية العتاد والقطع العسكرية التي يملكها، لكنه اليوم بات مهدداً بخسارتها بسبب المتغيرات السياسية والعسكرية على الأرض. النظام السوري ومن خلفه حلفاؤه يريدون إخراج هذه المعارضة، التي كانت تشكل ضغطاً عليهم في سنوات خلت منذ اندلاع الثورة السورية، وما أجزم به أن النظام لا يطمح إلى تنظيف المنطقة من جيوب المعارضة السورية المسلحة فقط، وإنما يريد الحصول على القطع العسكرية المتطورة التي بحوزة جيش الإسلام، إضافة إلى رغبته (النظام) الجامحة في مصادرة الأموال والممتلكات التي بحوزة هذا الفصيل، وهي حتماً تشكل ثروة معنوية ومادية بالنسبة للنظام. وفي المقابل، جيش الإسلام يرفض الخروج ومغادرة الغوطة الشرقية بدون مناقشة طلباتهم، فهم يرون في خروجهم إلى إدلب مقبرة لهم، إذ يحتفظون بعداوات كثيرة مع جبهة النصرة وفيلق الرحمن وعدد من التنظيمات المسلحة التي هجرها النظام إلى إدلب في فترات سابقة، تمهيداً لهذه اللحظة التي كتبت عنها سابقاً، وأعتقد أن كثيراً من المراقبين السياسيين في السنوات الماضية لم يكن لديهم شك في نية النظام لخلق «بيئة طاحنة» لفصائل المعارضة في إدلب. الحل الأمثل الذي قد ينزع فتيل تجدد الاشتباكات في الغوطة الشرقية، بعد التحذيرات الروسية الأخيرة، تتمثل في الخروج إلى جرابلس ومناطق شمال الفرات، في حين سيتفرغ النظام حينها لتحريك قواته، بدعم طبعاً من حلفائه إلى مناطق شرق الفرات، وستبقى مسألة استعادة إدلب والمناطق الواقعة شمال الفرات والخارجة عن سيطرته مسألة وقت بالنسبة له. السؤال الأبرز بعد كل هذا، وبعد كل هذه المعارك في سوريا التي دخلت عامها الثامن منتصف مارس الماضي، هل انتصر النظام فعلاً وهل خسرت المعارضة؟ والحقيقة أن النظام لم ينتصر في حين المعارضة خسرت، كما الشعب السوري، فالنظام السوري لم يكن له أي دور في ما يجري على الأرض منذ انفلات الأمور العسكرية من يديه بعد خروج مناطق كثيرة من سيطرته، وبات الحل والربط يأتي من موسكو وطهران والضاحية الجنوبية، إضافة إلى لاعبين كثر كان هدفهم فقط الحصول على جزء من الكعكة السورية. في حين المعارضة السورية باتت اليوم تعيش وضعاً مأساوياً لا تحسد عليه، فهي ابتليت منذ تكونها بوجود دخلاء لم يكن لهم هدف سوى العبور على جثث الأبرياء، كما أن المعارضة لم تلتفت للأصوات التي كانت تطالب بضرورة توحيد الصف وترك الفرقة والاقتتال الوظيفي على توزيع المناصب فيما بينهم، بيد أن هذا لا ينتقص حتماً من شرفاء المعارضة السورية، الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل خدمة شعبهم وقضيتهم النبيلة، بيد أنهم الآن يعيشون بين مطرقة القبول بأي تسوية تفرض عليهم، أو البقاء على شكل معارضة خارجية تعيش في المنفى، بعيداً عن قاسيون ومياه بردى وجبل الشيخ، التي غادروها طواعية، على أمل العودة بما هو أفضل لبلدهم وشعبهم. [email protected]