الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الإمارات والسعودية .. شراكة الاعتدال والحزم

إن التقارب السعودي الإماراتي بقدر ما هو طبيعي هو ضروري، وبقدر ما هو بدهي، بين أشقاء، إلا أنه استراتيجي يحمل فلسفته الخاصة في التقارب التي تقوم على التعاون الإيجابي وعلى اتخاذ المبادرة وعلى الحسم في مواجهة المخاطر. وينطلق هذا التقارب في هذا السياق من منطلقات عدة وفي مساحات متعددة، تلتقي فيه العلاقة آصرة قرابة وتاريخاً، كما تلتقي وترتقي فيها دماء الشهداء من البلدين درعاً ومجداً واحداً في المواجهة، كما تلتقي فكراً وتنسيقاً من أجل المستقبل وصناعته وتأمين أجياله الجديدة. الواقع والمستقبل تلتقي السعودية والإمارات في مختلف المجالات، تلتقي الرؤية كما تلتقي الجهود، تلتقي الأقوال كما تلتقي الأفعال، سياسياً واقتصادياً، في مواجهة الأجندات الخارجية وفي مواجهة مخاطر التطرف الإرهابي، وقد جرت مأسسة هذا التعاون والتنسيق المستمر في مؤسسة مستقلة هي مجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي أعلن عن تأسيسه في 16 مايو عام 2016، ويرأسه من الجانب الإماراتي سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة ومن الجانب السعودي ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويجتمع بشكل دوري وتتفرع عنه لجان مشتركة في المجالات كافة. ليس بين الإمارات والسعودية شراكة رؤية سياسية فقط، لكنها شراكة متعددة الأبعاد، فيها الاقتصادي فهما أكبر شريكين اقتصاديين في الخليج والعالم العربي، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين ما يزيد على 70 مليار درهم سنوياً، ويبلغ حجم الاستثمارات السعودية في الدولة 10 مليارات دولار ينشط عبر 2366 شركة سعودية متوزعة في مجالات مختلفة، كما تبلغ الاستثمارات الإماراتية في السعودية 9 مليارات دولار، وتنشط عبر الكثير من الشركات والمشاريع العملاقة كذلك في مختلف المجالات. كما تحضر استراتيجياً ورؤيوياً، بشهادة الأمير محمد بن سلمان وعدد من المسؤولين في المملكة، بالاستفادة من النموذج الإماراتي الاستثنائي والمتميز في الرؤية السعودية 2030. هكذا هي شراكة إيمان وتنمية كما أنها شراكة مستقبل وتحديات، تعبر عنها تصريحات القادة والحكام في البلدين، كما تعبر عنها المواقف المشتركة والدماء التي تحتضن بعضها كلما لاح للعيون خطر. محاربة التطرف وعلى المستوى العالمي والإقليمي تلاقت الرؤى الإماراتية والسعودية في محاربة التطرف والإرهاب وتجفيف منابعه وروافده، وكانا معاً الأسبق دعوة للعالم أجمع لاستدراك خطر الإرهاب الصاعد بعد صحوة «داعش» والقاعدة في العراق وإقامة الخلافة المزعومة في 9 يونيو عام 2014، وعقد أول مؤتمر دولي للتحالف الدولي في الحرب على داعش في أكتوبر عام 2015 في مدينة جدة السعودية، وقامت الإمارات بجهد مشهود له عالمياً بمكافحة التطرف العنيف عبر عدد من المؤسسات والتشريعات والسياسات الواضحة التي تؤسس للتسامح والتعايش على أرضها وتئد أفكار التطرف والكراهية في كل مكان، بما فيه العالم الافتراضي. لكن، وهذا ما لا يفهمه البعض، يتعمق التوجه الإماراتي والسعودي ليعالج أصول الأزمات وجذورها التي تنتجها كل فترة من جديد، ومن هنا كانت دعوة الشقيقتين المستمرة للحوار الوطني في بؤر الأزمات، ودعوتهما أطرافه للقبول بخريطة طريق، ودعوة الأطراف السورية للقبول بمرجعية جنيف 1 في سوريا حلاً قبله الجميع، حقناً للدماء ودفعاً لاستمرار البلاء، أو الالتزام بالقرار 2266 مرجعية للحل السياسي في اليمن ومرجعياته المتمثلة في المبادرة الخليجية ومسودة الحوار الوطني، وقد قبلتهما مختلف الأطراف اليمنية بما فيها ميليشيات الحوثي وصالح نفسه، وكان ممثلوهم حاضرين، لكنهم آثروا سلطتهم على مصلحة وطنهم، وانقلابهم على سلام بلادهم وأمنها وخوضهم حرباً سابعة ضدها بعد حروب ست سابقة كانت في عهد صالح حليفهم الحالي. دولياً وإقليمياً، يتلاقى التصور الإماراتي والسعودي للحرب على الإرهاب في التأكيد على ضرورة حل كل المشكلات العالقة والمربكة التي تنتج وتولد البيئة الحاضنة للإرهاب، بدءاً من التدخل الإيراني، وما يتبعه من ممارسات وإيقاد لنير الطائفية في المنطقة، في سوريا والعراق ولبنان، وصولاً للترحيب المستمر بالحل السياسي والتوافقي في سوريا والعراق واليمن برغم انقلاب الانقلابيين دائماً على أي التزام أو توافق، وخرقهم المستمر للهدن وخطط السلام. حكمة لكن لروح وحيوية شابة تبادر للفعل ولا تقبل أن تكون مجرد رد فعل، لدى القيادات الحكيمة في الدولتين، كان اعتدالهما بعزم لا يعوزه حزم متى تطلب الأمر، وكان هذا الحزم واضحاً منذ وقت مبكر، ليس فقط في حسم قوات درع الجزيرة في مارس سنة 2011 حين لبت الشقيقتان نداء مملكة البحرين لقمع الميليشيات الموالية لإيران والفوضى التي أنتجتها. ولكن أيضاً كان هذا الحزم واضحاً في الموقف من مصر بعد ثورتها في 30 يونيو عام 2013 التي أسقطت شعبياً حكم جماعة أرادت الصدام مع مجتمعها كما اصطدمت بمحيطها، منعزلة عن العالم والتاريخ، ولكن شبكة علاقاتها ونشطائها وعزل المصريين رئيساً كانوا انتخبوه ثم انقلب على ما انتخبوه من أجله، كما وصفه الرئيس الأمريكي أوباما بعد فترة، جعلت الكثير من القوى والدول تعارض هذه الثورة في مصر، فكان جهد الأشقاء في السعودية والإمارات درعاً عنها ودعماً لمسارها واحتراماً لاختيارات شعبها الذي احترمته في يناير عام 2011 كما احترمته في يونيو سنة 2013. كما كان هذا الحزم والحسم واضحاً في استباق الإمارات والسعودية للحرب على الإرهاب بعد صعود تنظيم «داعش»، بل والدعوة لتحالف دولي للحرب عليه في سبتمبر عام 2014 وقد عقد أول اجتماع للمشاركين في التحالف الدولي في مدينة جدة السعودية في أكتوبر من العام نفسه، وشاركت قوات إماراتية وسعودية في عملياته، ولا تزال، ضمن 40 دولة أخرى حينها، وهو ما بدأ يؤتي ثماره أخيراً عراقياً وسورياً بالخصوص. هبّة الرجال كذلك لبى العزم والحزم السعودي والإماراتي نداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في 24 مارس عام 2015 بعد اغتصاب الانقلابيين العاصمة والثورة اليمنية، وانقلابهم على كل ما جرى التوافق عليه، وكانت هبة الرجال والتحالف العربي لدعم الشرعية، بمظلة شرعية من قرارات مجلس الأمن الدولي الذي أيد التدخل الداعم للشرعية، ومن قرارات مجلس التعاون الخليجي الذي كان أول من أدان انقلاب الحوثيين، وكانت عاصفة الحزم بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز نجدة لليمنيين وحفظاً ودعماً للشرعية، كما كان في البحرين قبل ذلك، وكما كان في حرب تحرير الكويت عام 1990 وكما كان في دعم مصر في حربها لاستعادة أرضها المغتصبة في حرب أكتوبر عام 1973. ومن أجل الكرامة والحزم سالت دماء الشهداء من الشعبين الشقيقين مؤكدة على كرامة الموقف وشرفه، وصح تشبيه البعض لها حينها بذي قار العرب، التي عرفتها أيام العرب الأولى قبل الإسلام، حين وقفوا ضد توحش وتدخل وغرور كسرى وفارس والتدخل الإيراني المنحرف في شؤون بلادهم. قيادة الاعتدال منذ فترة، ومع تراجع دور الحواضر الكبرى في مصر وبغداد ودمشق، ومع زلزال الانتفاضات العربية عام 2011، يمكن القول إن التحالف الإماراتي السعودي غدا يقود محور الاعتدال العربي والإسلامي في مواجهة المخاطر المتعددة، ويمثل ضرورة لصد ومواجهة مخاطر الإرهاب والفوضى الصاعدة والسياسات التوسعية للنظام الإيراني، واللعب غير الشريف بورقة الطائفية وتوظيفها، مع ارتباك الولايات المتحدة في عهد أوباما، وتجميد قرارات الشرعية الدولية وضعف منظماتها في لحظات متوترة وخطيرة عالمياً وإقليمياً على السواء. وكما أسلفنا، ليس فقط من حسم درع الجزيرة في البحرين إلى حزم التحالف الداعم للشرعية في اليمن، لكنه قبل ذلك بعقود، وظل الموقف الإماراتي والسعودي واحداً متوحداً عند كل تحدٍّ يهدد هذا الوطن العربي، أو يستهدف استقراره، منذ أكتوبر عام 1973 والتقت دماؤهما وجنودهما في وقفة واحدة ضمن تحالف عربي ودولي في حرب تحرير الكويت سنة 1990، كما التقت دائماً من أجل إعادة الأمل والإعمار في أخرى، من غزة إلى بيروت إلى اليمن ولا تزال. إنها شراكة قيم ودماء ومصير يحمل في عمقه وآفاقه حكمة العرب، والآباء المؤسسين من الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الذي أبهر كل معاصريه، إلى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي ما زالت آثاره وأفكاره وذكراه تطوف بها القلوب والآفاق محبة وإجلالاً وتقديراً في كل مكان عربي ومحفل دولي. إن الأخوة والشراكة الإماراتية السعودية، برغم اتساع مجالاتها لتشمل المجالات كافة، تمثل حبل نجاة وسبيل خروج ضروري من أزمات عربية غير مسبوقة و تزداد عمقاً كل يوم، من صراع الميليشيات على الدولة في اليمن وليبيا وسوريا، إلى التدخلات الإيرانية والتأجيج الطائفي، ووصولاً للأزمات الاقتصادية العالمية والتغيرات السياسية المنتظرة مع صعود اليمين أمريكياً وأوروبياً العام الجاري.