الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

معركة الدفع مقابل الأخبار

معركة الدفع مقابل الأخبار
خلال الشهور الماضية، بدأت بعض الدول في الحركة تجاه إجبار شركات التكنولوجيا الكبرى على دفع الأموال لناشري الأخبار مقابل استخدام هذا المحتوى ضمن خدماتها، وهي العملية التي تحدث حالياً دون مقابل كما تفعل غوغل في نتائج البحث أو فيسبوك، وتسعى هذه التحركات إلى اتخاذ شكل القوانين الملزمة مثل ما يحدث في أستراليا حالياً، الأمر الذي أشعل غضب شركات التكنولوجيا الكبرى، وفي إثرها حكومة الولايات المتحدة التي بدأت هي الأخرى في الحركة دفاعاً عن مصالح شركاتها.

اتخذت أستراليا خطوة متقدمة بتقديم مشروع قانون جديد للإعلام يجبر شركات التكنولوجيا على دفع الأموال للمؤسسات الإعلامية مقابل استخدام محتواها ضمن خدماتها، وفي الوقت الذي بدأ فيه برلمان أستراليا مناقشة بنود القانون تقدمت حكومة الولايات المتحدة بمذكرة للبرلمان الأسترالي قالت فيها إن التشريع المقترح «غير معقول، وغير عملي، وغير متوازن، كما أنه يتعارض مع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين».

وينص مشروع القانون الجديد على فرض مدونة سلوك إلزامية على المنصات الرقمية الكبرى، الأمر الذي يفتح الباب للمفاوضات الفردية والجماعية لشركات الإعلام الأسترالية للوصول إلى اتفاق يحدد مقابل عرض محتوى الأخبار القادم من بحث غوغل وعبر فيسبوك، وربما يكون أخطر بنود هذا القانون هو إلزام شركات التكنولوجيا بضرورة إخطار شركات الأخبار قبل تغيير الخوارزميات التي يمكن أن تؤثر على النشر قبلها بأسبوعين على الأقل.


مشروع القانون، تم طرحه على البرلمان الأسترالي في ديسمبر الماضي، حيث تتم مناقشته حالياً في اللجان المختصة. ورداً على هذا المشروع تقدمت الولايات المتحدة بمذكرة معارضة للقانون قالت فيها، إن هذه القوانين قد تؤدي إلى «نتائج ضارة»، كما دعت الحكومة الأسترالية إلى التراجع عن القانون وعدم التدخل المباشر في سوق الإعلانات وطريقة توزيع عوائدها.


وكانت لجنة حماية المنافسة الأسترالية تعمل في البداية على مشروع «طوعي» يسمح لشركات التكنولوجيا بدفع الأموال بطريقة غير إلزامية، ولكن الأمر تغير اعتباراً من أبريل الماضي، ليتحول إلى بنود إلزامية للدفع، وجاء هذا التحول نتيجة الأحوال السيئة التي يعاني منها قطاع الإعلام في أستراليا، واضطرار العديد من الصحف المحلية للإغلاق نتيجة ضعف الإيرادات. وبطبيعة الحال، حظي مشروع القانون بدعم واسع من قطاع صناعة الأخبار الأسترالية.

واعتبرت مذكرة الاعتراض الأمريكية أن اشتراط تقديم شركات التكنولوجيا الأمريكية بيانات عن المستخدمين الذين يصلون إلى المحتوى الإخباري، بالإضافة إلى ضرورة الإشعار المسبق لتعديلات الخوارزميات، من شأنه أن يمثل انتهاكاً لاتفاقية التجارة الحرة بين أستراليا والولايات المتحدة، وبالتالي فهم يشجعون أستراليا على عدم التسرع في تمرير هذا القانون.

الاعتراضات الحكومية لم تكن كافية بالنسبة لشركات التكنولوجيا، حيث صعدت شركة «ألفابت» الأمريكية المالكة لمحرك البحث الشهير «غوغل» من نبرتها، وهددت الشركة بحظر استخدام خدماتها في أستراليا إذا تم إقرار قانون الإعلام الجديد، كما حذرت الشركة مستخدميها في أستراليا البالغ عددهم 19 مليون شخص من أنهم سيواجهون نتائج بحث سيئة وغير فعالة على خدمات مثل «يوتيوب» إذا تم إقرار هذا القانون.

وخلال جلسات استماع مشروع القانون في البرلمان الأسترالي، قال ميل سيلفا مدير غوغل في أستراليا: «إلى جانب المخاطر المالية والتشغيلية التي لا يمكن توقعها، فإن تحويل المسودة إلى قانون نافذ، لن يترك أي خيار أمام غوغل إلّا التوقف عن إتاحة خدمات بحث غوغل داخل أستراليا».

في المقابل، أشعلت هذه التصريحات غضب رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، الذي قال، «إن بلاده تضع القواعد والقوانين بشأن الأنشطة التي يمكن القيام بها داخل أستراليا، وإن من يرغب في العمل داخل أستراليا وفق قوانينها فهو مرحب به.. أما التهديدات فلا نرد عليها».

وكانت غوغل قد وصفت مشروع القانون بأنه فضفاض للغاية، وأنه دون مراجعته وتعديله فإن تقديم خدمات بحث ولو محدودة للغاية سيكون مخاطرة كبيرة للشركة، وبينما لا تكشف الشركة عن مبيعاتها وإيراداتها داخل أستراليا، إلّا أن الإعلانات المرتبطة بعمليات البحث هي الأكثر إيراداً على مستوى العالم.

ولكن المثير في الأمر، أن تهديد غوغل بالحد من خدماتها داخل أستراليا، جاء بعد ساعات فقط من توصل عملاق الإنترنت إلى صفقة للدفع مقابل محتوى بعض الناشرين الفرنسيين كجزء من حزمة قيمتها 1.3 مليار دولار على مدى 3 سنوات لدعم الناشرين ومنتجي الأخبار.

المعركة التي تدور حالياً بين شركات التكنولوجيا والحكومة الأسترالية يراقبها العالم باهتمام، خاصة أنها تمثل النموذج الأول في هذا المجال، وبينما تعاني صناعة الأخبار على مستوى العالم من ضعف الإيرادات وسيطرة الشركات العملاقة على الإعلانات الرقمية فربما يكون التشريع الأسترالي هو طوق النجاة للحصول على حصة من الإيرادات ومحاولة الصمود.