الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

وباء قضى على معظم سكان وسط أفريقيا قبل 1400 عام

وباء قضى على معظم سكان وسط أفريقيا قبل 1400 عام

وباء قضى على معظم سكان وسط أفريقيا قبل 1400 عام

كشفت دراسة جديدة نُشرت في دورية ساينس أدفانسيس، أن المجتمعات الناطقة بلغة البانتو في غابات الكونغو المطيرة واجهت انهياراً سكانياً كبيراً في الفترة ما بين 1400 إلى 1600 عام، ربما يرجع إلى تفشي مرض لفترة طويلة، ومن المحتمل أن إعادة توطين السكان في تلك المنطقة لم تبدأ إلا بعد 1000 عام.

أظهرت نتائج الدراسة التغيير السكاني الذي شهدته ما لا يقل عن 8 دول أفريقية (الكاميرون، أفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الكونغو، الغابون، غينيا الاستوائية، أنغولا)، متحدية الاعتقاد السائد بأن توطين السكان في وسط أفريقيا بالمجتمعات الناطقة بلغة البانتو حدث قبل 4000 عام بعد بداية تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.

درس المشروع البحثي الترابط بين الهجرة البشرية، انتشار اللغة، تغير المناخ وعمليات الزراعة المبكرة في وسط أفريقيا خلال فترة ما قبل الاستعمار. أجرت الدراسة تحليلاً شاملاً لعينات الكربون المشع المتاحة كمؤشر للنشاط البشري والتغيير الديموغرافي، مع التحليل الشامل لتنوع الفخار وأشكاله وطرق صناعته كمؤشر للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.



جرت مقارنة هذه البيانات والسجلات المؤرخة جيداً مع ما عُثر عليه من الأدلة الجينية واللغوية للحصول على رؤى جديدة لتاريخ الاستيطان القديم للسكان الناطقين بالبانتو في غابات الكونغو المطيرة.


وفقاً لعالم الآثار ديرك سيدنستيكر، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، فإن النهج المُستخدم في إجراء هذه الدراسة فريد من نوعه من حيث الأدلة التجريبية والطريقة العلمية، إذ جرى دراسة 1149 عينة من الكربون المشع المرتبط بـ115 نمطاً لصناعة الفخار عُثر عليها في 726 موقعاً في جميع أنحاء غابات الكونغو المطيرة والمناطق المجاورة.

تعد هذه الدراسة الأولى التي تدمج بين 3 أنواع من مجموعات البيانات الأثرية على نطاق واسع ولفترة طويلة، من أجل إثبات أن منطقة وسط أفريقيا شهدت فترتين من النشاط البشري الكثيف (400 قبل الميلاد إلى 800 ميلادياً، ومن 1000 إلى 1900 ميلادياً) فصلت بينهم فترة انهيار سكاني واسع النطاق بين 400 و600 ميلادياً.

وقد تساعد النتائج على تحديد الفترات المعروفة باسم العصر الحديدي المبكر والعصر الحديدي المتأخر بوضوح، والتي يتميز كل منها بأنماط خاصة من الفخار. يعد الفخار من المواد القليلة المرتبطة بالتراث الثقافي التي نجت من التغيرات الزمنية.

بدأ الانتشار الأولي للأشخاص الناطقين بالبانتو من وطنهم على الحدود بين نيجيريا والكاميرون باتجاه شرق وجنوب أفريقيا منذ حوالي 4000 عام. ويعد أمراً فريداً من نوعه نظراً لحجمه وسرعة انتشاره والتكيف مع المناطق الأيكولوجية المتعددة. كان لهذا الانتشار تأثير على اللغة والديموغرافيا والثقافة للقارة. تشكل لغات البانتو أكبر عائلة لغوية في أفريقيا؛ حوالي 1 من كل 3 أفارقة يتحدث لغة أو أكثر من لغات البانتو.

وكان يُعتقد أن لغة البانتو الحالية هي تطور مباشر للغات الأجداد الأوائل المستوطنين في الغابات المطيرة قبل نحو 2700 عام، غير أن نتائج الدراسة تظهر أن الموجات الأولى من مجتمعات العصر الحديدي المبكر التي تحدثت البانتو اختفت من منطقة الغابات المطيرة في الكونغو بحلول عام 600 ميلادياً.

ورجح الباحثون أن يبلغ عمر لغات البانتو في هذه المنطقة أصغر بحوالي 1000 عام مما كان يُعتقد سابقاً. من الناحية العلمية، فإن نتائج الدراسة تمثل تحدياً جديداً لاستخدام البيانات اللغوية لإعادة بناء تاريخ أفريقيا.

سلطت الدراسة الضوء على الانهيار السكاني الحاد الذي حدث في الفترة ما بين 400 إلى 600 ميلادياً بالتزامن مع الظروف المناخية في جميع أنحاء المنطقة التي ربما عززت فرص انتشار مرض أو وباء طويل الأمد. لاحظ الباحثون حدوث التدهور الديموغرافي في غابات الكونغو المطيرة بالتزامن مع انتشار طاعون جستنيان أو وباء جستنيان (541-750 ميلادياً)، والذي يُنظر إليه باعتباره أحد عوامل انهيار الإمبراطورية الرومانية ومملكة أكسوم في إثيوبيا. ومن المحتمل أنه تسبب في قتل ما يصل إلى 100 مليون شخص في آسيا وأوروبا وأفريقيا.

مع ذلك لا يملك الباحثون أدلة قاطعة على ارتباط الانهيار السكاني بمرض مزمن حتى الآن. غير أن البكتيريا المُسببة لوباء جستنيان تنتشر في وسط أفريقيا. وهناك سلالة معينة لا تزال موجودة إلى الآن في الكونغو الديمقراطية، زامبيا، كينيا وأوغندا، وسادت في وسط أفريقيا أقدم سلالة حية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما تسبب في انتشار الطاعون في القرن الرابع عشر في أوروبا.

لذلك يعتقد الباحثون أن انتشار الطاعون لفترات طويلة أحد الفرضيات التي تفسر الانخفاض الملحوظ في عدد السكان في وسط أفريقيا في القرنين الخامس والسادس.