الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

بعد 20 سنة من الأبحاث.. وداعاً لأزمات القلب خلال ممارسة الرياضة العنيفة

بعد 20 سنة من الأبحاث.. وداعاً لأزمات القلب خلال ممارسة الرياضة العنيفة
في حدث درامي غير متوقع، وأثناء مباراة كرة قدم بين المنتخب الدنماركي ونظيره الفنلندي في بطولة كأس الأمم الأوروبية يورو 2020 سقط اللاعب كريستيان إريكسين مغشياً عليه في الدقيقة 43 من الشوط الأول. ارتبك الجميع وتوقفت المباراة ونزل الفريق الطبي لأرضية الملعب في محاولات مضنية -استمرت نحو 20 دقيقة- لإسعافه بعد أن توقف قلبه.

لحسن الحظ، أنقذ الأطباء حياة إريكسين، إلا أن عودته للعب أصبحت محل شكوك كبيرة. فالمرضى الذين تعرضوا لأحداث قلبية -كالسكتات أو الجلطات- أو لديهم أمراض قلب كامنة ووراثية يمنعهم الأطباء من ممارسة التمارين الرياضية العنيفة بما يعرف باسم «عدم الأهلية الرياضية». غير أن ذلك المنع أصبح محل شكوك، طبقاً لنتائج دراسة كبيرة استمرت لمدة 20 عاماً كاملة.

قالت نتائج تلك الدراسة إن المُصابين بأمراض القلب الوراثية -مثل متلازمة خلل ضربات القلب المعروفة باسم متلازمة فترة QT الطويلة- يُمكنهم العودة للملاعب وممارسة جميع أنواع الرياضات بأمان كامل دون الخوف من الإصابة بالأحداث القلبية القاتلة.


في المجموعة التي تمت دراستها ومتابعتها، كان هناك 672 مريضاً رياضياً يعانون من أمراض القلب الوراثية التي تجعلهم عرضة لتوقف القلب المفاجئ. من بين هؤلاء الرياضيين، كان 495 منهم يعانون من متلازمة فترة QT الطويلة، وهي مرض قلبي وراثي يمكن أن يسبب الإغماء والنوبات والسكتة القلبية المفاجئة وحتى الموت القلبي المفاجئ.


وتلك المتلازمة هي حالة متعلقة بنظام ضربات القلب تسبب تسارع واختلال ضربات القلب. وقد تتسبب هذه الضربات السريعة في حدوث الإغماء المفاجئ. وبعض الأشخاص يولدون بطفرة وراثية تعرضهم لخطورة الإصابة بمتلازمة QT الطويلة الأمد. وقد تتسبب مجموعة من الأدوية أيضاً في الإصابة بتلك المتلازمة.

وأكد الباحثون في الدراسة التي نشرت في دورية أمراض القلب الأمريكية وتمت مناقشتها في الاجتماع السنوي لجمعية إيقاع القلب -حضرته الرؤية عن بعد- على عدم وجود وفيات مرتبطة بالرياضة لدى الرياضيين الذين تم تشخيص إصابتهم بأمراض القلب الوراثية والذين قرروا العودة إلى اللعب.

كما لم يحدث أيضاً أيّ أحداث قلبية كالإغماء بسبب انتظام ضربات القلب، والنوبات، وتسرع القلب البطيني المصحوب بأعراض، والصدمات المناسبة من جهاز مقوم نظم القلب ومزيل الرجفان القابل للزرع (ICD) أثناء ممارسة الرياضة وما بعدها.

وتضمنت الدراسة الرياضيين المشاركين في الرياضات المنظمة والتنافسية بين 1 يوليو 2000 و31 يوليو 2020. تمت مراجعة سجل كل رياضي لمعرفة التفاصيل السريرية والعلاجات وأحداث القلب الخارقة والرياضة التي يمارسها. تم استخدام الرياضة الأكثر نشاطاً بدنياً لكل رياضي لتصنيف مستوى الخطر الفردي.

وأظهرت البيانات أن الرياضيين في المجموعة لديهم فرصة تزيد قليلاً على 1% للإصابة بنوبة غير قاتلة أثناء ممارسة الرياضة كل عام.

في الدراسة؛ قام الباحثون بتقسيم النتائج إلى مجموعتين، شملت المجموعة الأولى الرياضيين المصابين بمتلازمة فترة QT الطويلة. أما المجموعة الثانية فقد تكونت من الرياضيين المصابين بأمراض القلب الوراثية الأخرى المعروف بأنها تسبب السكتة القلبية المفاجئة.

على وجه التحديد، كان لدى 29 مريضاً حالة قلبية واحدة أو أكثر مرتبطة بمتلازمة فترة QT الطويلة. كان 15 منهم رياضيين في ذلك الوقت، وثلاثة منهم كان لديهم حدث قلبي مرتبط بالرياضة.

من 177 مريضاً يعانون من أمراض القلب الوراثية الأخرى، بما في ذلك اعتلال عضلة القلب الضخامي وتسرع القلب البطيني متعدد الأشكال الكاتيكولاميني، حدثت 14 حالة قلبية غير قاتلة خلال وقت العودة إلى اللعب.

قال مؤلف الدراسة الرئيسي، مايكل إيكرمان؛ وهو أستاذ أمراض القلب الوراثية بمؤسسة مايوكلينك: «إن فرصة الوفاة للاعبين المصابين بأمراض القلب الوراثية أثناء ممارسة الرياضة صفر تقريباً». مشيراً في تصريحات خاصة لـ«الرؤية» إلى أن فترة المتابعة الطويلة للرياضيين الذين يعانون من أمراض القلب الوراثية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن النوبات القلبية الناجمة عن ممارسة هؤلاء المرضى الرياضة «لا يُمكن أن تكون مميتة بأيّ حال من الأحوال».

وأكد إيكرمان أن الإصابة بالنوبات القلبية القاتلة أثناء ممارسة الرياضة تتساوى نسبتها تقريباً بين الأشخاص الأصحاء الطبيعيين وبين المُصابين بأمراض القلب الوراثية.

بدأت تلك الدراسة في منتصف عام 2000، حين رفض إيكرمان النهج السائد للرياضيين المصابين بأمراض القلب الوراثية والذي تتبناه كل دول العالم ويقضي بطردهم من الفريق. قرر الباحث دراسة ذلك النهج، خاصة بعد رؤية الآثار المحبطة والمدمرة لاستبعاد الرياضيين من فرقهم.

وقال إيكرمان في تصريحاته لـ«الرؤية»: «إن فريقه البحثي تابع هؤلاء الرياضيين الذين سُمح لهم بالعودة إلى الرياضة. استخدمنا عملية اتخاذ قرار مشتركة تبدأ باختبارات قلبية وجينية شاملة، ثم قمنا بتشكيل خطة علاج مخصصة ومناقشة المعايير والمخاطر». «إذا قرر اللاعب ممارسة الرياضة، فإننا نتأكد من إبلاغ مسؤولي الفريق واتباع إجراءات السلامة، وهذا يشمل الحفاظ على توازن الكهارل، ووجود مزيل الرجفان الإلكتروني الشخصي التلقائي في الموقع لإسعاف اللاعبين وإجراء فحوصات سنوية مع طبيب القلب الوراثي».

ويرى إيكرمان أن نتائج الدراسة مهمة بشكل كبير في عملية صناعة قرار العودة للملاعب، إذ يمكن للشباب المصابين بأمراض القلب الوراثية أن يكبروا ويحلموا بأحلام كبيرة. سيتمكن هؤلاء الرياضيون من الوصول إلى أعلى مستوى من الألعاب الأولمبية والرياضات الاحترافية من الهوكي إلى كرة القدم والتزلج وكرة السلة.

ومع ذلك، يحذر الدكتور أكرمان من أن هذا النهج ليس حلاً شاملاً. بالنسبة لبعض الرياضيين، تتوج عملية صنع القرار المشتركة بالتوصية بإيقاف الرياضة التي يختارونها. هذه هي الحال بالنسبة للرياضيين الذين يعانون من نوع معين من أمراض القلب الوراثية التي تتسارع مع النشاط الرياضي. وقال إن 15%- 20% من مرضاه الرياضيين يتخذون قراراً عائلياً بعدم الأهلية الرياضية بعد التقييم. لذلك لا يختار الجميع العودة للعب عند تقديم الخيار.