الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحروب -لا الجفاف- السبب الرئيسي للجوع في أفريقيا

الحروب -لا الجفاف- السبب الرئيسي للجوع في أفريقيا

وكالات

الجفاف تسبب في انعدام الأمن الغذائي بوتيرة متناقصة في السنوات الماضية، إلا أن اندلاع الحروب ساهم في تفاقم تلك المشكلة.

لسنوات، بدا أن العالم يحرز تقدماً في القضاء على الجوع. ثم ابتداءً من عام 2014، تراجع الاتجاه ببطء وعكس اتجاهه في العديد من الدول. والآن، ينام نحو 700 مليون شخص -ما يقرب من 9% من سكان العالم- جائعين، وفقاً للأمم المتحدة.

وتعتبر منطقة أفريقيا جنوب الصحراء من أكثر المناطق تضرراً. هنا، يلقي الكثير من الناس باللوم بشكل انعكاسي على حالات الجفاف التي يزيد من وتيرتها تغير المناخ.


إلا أن دراسة جديدة تبحث في أسباب انتشار الجوع بتفاصيل دقيقة تقول إن الأمر ليس كذلك. فالحروب طويلة الأمد، وليس الطقس، هي المسؤولة.


وجدت الدراسة، التي نُشرت في مجلة «نيتشر فود» أنه على الرغم من أن الجفاف يتسبب بشكل روتيني في انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا، فإن مساهمته في الجوع ظلت ثابتة أو حتى منكمشة في السنوات الأخيرة.

وبدلاً من ذلك، أدى تصاعد العنف على نطاق واسع وطويل الأمد إلى نزوح الناس ورفع أسعار المواد الغذائية ومنع المساعدات الغذائية الخارجية، ما أدى إلى زيادة نسبة الجوع.

وقال الباحث في معهد المناخ الدولي بجامعة كولومبيا، ويستون أندرسون، وهو مؤلف الدراسة الرئيسي: «قد يقول الناس إنها موجات الجفاف والفيضانات الناجمة عن المناخ، ولكن الأمر لا يتعلق بالمناخ فحسب، هناك أيضاً العنف الذي يساهم بنسبة أكبر في تزايد مستويات الجوع».

وللوصول إلى استنتاجاتهم، قام الباحثون بتحليل بيانات عبر السنوات من 2009 إلى 2018 من نظام الإنذار المبكر بالمجاعة، وهي شبكة تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية توفر معلومات للحكومات ومنظمات الإغاثة حول أزمات الغذاء الوشيكة أو المستمرة في عشرات البلدان.

يُظهر النظام أن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة في البلدان الخاضعة للمراقبة ارتفع من 48 مليوناً في عام 2015 إلى 113 مليوناً في عام 2020.

ولم يتم تصميم النظام لتحديد العوامل المختلفة وراء زيادة تلك الحالات. لكن أندرسون وزملاءه كانوا قادرين على بحث الأسباب في 14 من أكثر البلدان الأفريقية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

تمتد الدول عبر نطاق مشكل من موريتانيا ومالي ونيجيريا في الغرب، والسودان وتشاد ودول أخرى، إلى إثيوبيا وكينيا والصومال في الشرق. شملت الدراسة أيضاً عدة دول في الجنوب، بما في ذلك موزمبيق وزيمبابوي.

ووجد الباحثون أن فترات الجفاف الدورية والموثقة جيداً كانت وراء أزمات الغذاء في مناطق واسعة.

ومع ذلك، فإن الآثار الإجمالية للجفاف لم تزداد خلال فترة الدراسة، فعندما انتهى الجفاف، عاد المزارعون إلى رفع مستويات الزراعة في الموسم التالي. استغرق رعاة الماشية ضعف الوقت للتعافي، لأن المناطق التي يعيشون فيها شهدت ظروفاً أكثر قسوة، واستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإعادة بناء قطعان الماشية التي تضررت بشدة.

ووجدت الدراسة أنه وسط فترات الصعود والهبوط المعتادة في هطول الأمطار، كان العنف -لا الجفاف- مسؤولاً عن الزيادة المطردة في الجوع.

وقال المؤلفون إن النزاعات طويلة الأمد التي تتراوح بين الهجمات الإرهابية المتكررة والقتال الضاري بين الجيوش تسببت في حدوث نقص يستمر عاماً بعد عام، مع عدم وجود نهاية في الأفق.

كان هذا هو الحال بشكل خاص في شمال شرق نيجيريا، حيث شنت جماعات «بوكو حرام» حملة كر وفر لا هوادة فيها ضد الحكومة وكثير من السكان على مدار العقد الماضي. وأيضاً في جنوب السودان، حيث تستمر الحرب الأهلية الفوضوية متعددة الجوانب التي بدأت في عام 2013.

ووجدت الدراسة أن السودان والصومال شهدتا أيضاً زيادة في الجوع بفعل الحرب، لكن الجفاف في هاتين الدولتين كان أكثر العوامل المهيمنة.

في معظم الحالات، يكون الرعاة مرة أخرى أكثر المتضررين من العنف كما هو الحال مع الجفاف، لأنهم أكثر عرضة للعيش في المناطق الأكثر عرضة للعنف.

وكانت آخر ضحايا العنف هي دولة إثيوبيا، حيث تصاعد الجوع في جميع أنحاء البلاد في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض معدل هطول الأمطار. لكن الحرب الأهلية التي اندلعت في منطقة تيغراي بالبلاد العام الماضي زادت بشكل كبير من البؤس والجوع.

ولم تبحث الدراسة في هذا الصراع الجديد، لكن تقريراً حديثاً للأمم المتحدة قال إن أكثر من 5 ملايين شخص في المنطقة بحاجة ماسة إلى مساعدات غذائية، والكثير منهم يشهدون بالفعل المجاعة.

وقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة، إن هذه الأزمة الحادة ناتجة عن الآثار المتتالية للنزاع، بما في ذلك نزوح السكان، والقيود المفروضة على الحركة، ومحدودية وصول المساعدات الإنسانية، وفقدان أصول الحصاد وسبل العيش، واختلال الأسواق أو عدم وجودها.

ونظر الباحثون في سبب ثالث محتمل للجوع: الجراد.

ومرة أخرى، ليس من المستغرب أن يؤثر الجراد على الأمن الغذائي في بعض السنوات من خلال إتلاف الأعلاف والمحاصيل -ولكن ليس على نطاق كبير بما يكفي لتفسير زيادة الجوع خلال فترة الدراسة.

ودرس الباحثون عاملاً آخر، إذ تساءلوا عما إذا كان بداية الجفاف قد ساهمت في اندلاع أعمال العنف، وبالتالي المزيد من الجوع.

قام أحد المؤلفين المشاركين في التقرير، وهو عالم المناخ ريتشارد سيجر من مرصد الأرض بكولومبيا، بربط النقاط في هذا الصدد في دراسة تمت الاستشهاد بها على نطاق واسع عام 2015 بحجة أن شرارة الحرب الأهلية السورية المستمرة كانت بسبب الجفاف الذي استمر لعدة سنوات ودفع الكثير من الناس إلى المغادرة من أراضيهم الزراعية إلى المدن.

لكن الباحثين لم يعثروا على علاقة منهجية بين الجفاف وتواتر النزاعات أو الوفيات المرتبطة بالنزاع. فقد يتأثر الصراع بالإجهاد البيئي في بعض الحالات، لكن العلاقة عبر أفريقيا في العقود الأخيرة معقدة ومحددة السياق.

في حين كانت الحرب هي المحرك الرئيسي للجوع في بعض البلدان، فإن هذا لا يعني أن البعض الآخر قد أفلت تماماً من العنف الذي يمكن أن يعطل الإمدادات الغذائية.

على سبيل المثال، خلال العقد الماضي، تعرضت دولة مالي لهجمات متقطعة من قبل المتمردين الانفصاليين والإسلاميين الذين استولوا في بعض الأحيان على مدن بأكملها. ومنذ عام 2015، شهدت بوركينا فاسو، الدولة المسالمة إلى حد كبير، مئات الهجمات من قبل المتمردين والجهاديين، بما في ذلك غارة على قرية في أوائل يونيو من هذا العام أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص.

وقال الباحثون إن الرسالة العامة هي أننا إذا ما أردنا التنبؤ بأزمات الغذاء والتعامل معها، فنحن بحاجة إلى الانتباه إلى النزاعات، التي يمكن أن تكون معقدة حقاً - وليس فقط الأشياء التي يسهل التعرف عليها مثل الجفاف. فللجفاف بداية واضحة ونهاية واضحة. لكن هناك كل أنواع العنف. وفي كثير من الأحيان، لا توجد بداية واضحة أو نهاية لها.