السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

لقاح الوقاية من مرض «لايم» يلوح في الأفق

لقاح الوقاية من مرض «لايم» يلوح في الأفق

وكالات

يعدُّ القراد الحامل لمرض لايم (Lyme) أكثر خطراً مما مضى، ولكن يبدو أننا على موعد مع علاج وقائي لهذا المرض حتى بعد لدغة القراد.

ينتشر القراد الشائع في المناطق الغنية بالأعشاب، خاصة الملاعب الرياضية، وحيث تكثر الحيوانات المشردة، ويتعرض الناس للدغة القرادة خاصة عند الاستراحة على العشب أو الاستناد إلى الأشجار في مواسم الحر، وتظهر الأعراض بعد أسبوع مع الغثيان والتعب والألم، ثم الحمى وطفح جلدي أحمر على شكل عين الثور ينتشر في العنق، ويختلط التشخيص مرات كثيرة مع حالات أخرى والبعض لا يكتشف إصابته بمرض اللايم إلا بعد أشهر.

ومرض اللايم قابل للعلاج، إذ يتعافى المصابون بعد شهر من تناول المضادات الحيوية إذا شُخِّص المرض في مرحلة مبكرة، ولكن ازدياد الحالات كثيراً في العقد الماضي، حثَّ العلماء على إيجاد علاجات جديدة تقي من العدوى حتى بعد عضة القراد.



ظهرت تشابهات كبيرة بين المصابين من خلال مقابلات ميدانية أجراها آلين ستير، عالم الروماتيزم في كلية الطب بجامعة ييل، وديفيد سنايدمان من قسم الصحة، فاكتشفا أن جميع المصابين يعيشون في مناطق مشجرة من البلدة. كما أفاد المصابون بأن الأعراض أصابتهم بين شهري يوليو وسبتمبر، إضافة إلى إصابة ربعهم بطفح جلدي أحمر على شكل عين الثور قبل شهر من بداية التهاب المفاصل. واكتشف ويلي بورغدورفر، الباحث في المعاهد الوطنية للصحة (NIH) عام 1981 مسبب المرض، ألا وهو جرثومة حلزونية الشكل تدعى «اللولبية، بوريليا برغدورفيرية» تنتقل إلى البشر عبر لدغة القراد.

وقدّرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إصابة 476000 أمريكي بمرض لايم سنوياً، ما يجعله أكثر الأمراض المنقولة انتشاراً في الولايات المتحدة، حيث ينتقل عبر قرادة سوداء الأرجل. ويتغذى القراد اليرقي في الخريف على الفئران التي تعدُّ أكثر الحيوانات نقلاً للبوريليا. تستقر البكتريا في أمعاء القراد، ثم تتحول اليرقات إلى حوريات بين شهري مايو ويوليو وتهاجم في الصيف، ويجد البعض أن ارتفاع درجات الحرارة يساعد في توسع النطاق الجغرافي للمرض.

عندما تتعلق القرادة بالجسم المضيف، تفرز مضاد التخثر في الجرح وتبدأ بالامتصاص، فيصل الدم الدافئ الغني بالهيموغلوبين إلى أمعائها، ما يهيج البوريليا ويحثها على التكاثر والهجرة إلى غدد القرادة اللعابية. وتستغرق هذه العملية نحو 36 ساعة، حيث يذكر سام تيلفورد، بروفيسور الأمراض المعدية في جامعة تافتس الأمريكية أنه «لا داعي للقلق إذا هاجمتك قرادة مصابة وأزلتها قبل هذه المدة».

ونظراً للتشابه بين أعراض لايم المبكرة وأعراض الإنفلونزا، يشكّل تشخيص المرض تحدياً حتى يومنا هذا. رغم اعتبار الطفح الجلدي حول اللدغة علامة مؤكدة، يذكر مركز السيطرة على الأمراض أن هذه العلامة لا تظهر إلا عند ربع المصابين.

ووفقاً لإرشادات الجمعية الأمريكية للأمراض المعدية، تشلُّ المضادات الحيوية على مدى أسبوع حركة جرثومة اللايم. ومع ذلك، تذكر المعاهد الوطنية للصحة فشل المضادات الحيوية في 20% من الحالات، حيث يزداد انتشار البوريليا المسببة يومياً، فتغزو أعضاءً كالقلب والدماغ والمفاصل. وفي حالات نادرة تؤدي العدوى في الدماغ إلى صعوبة الإدراك واضطرابات النوم، إضافة إلى تأثيرها على القلب عبر حجب الإشارات الكهربائية التي تساعد القلب على ضخ الدم.

ويعد تجنب اللدغة أفضل طريقة للوقاية لعدم توفر لقاح حتى يومنا هذا، ويوصي تيلفورد الذي يمضي الصيف في الغابة لجمع القراد للدراسة، بارتداء ملابس بأكمامٍ طويلة ورش المكان بمبيد حشري يدعى «بيرميثرين». ولا تعتبر الجمعية الأمريكية للأمراض المعدية اللايم مرضاً مزمناً. كما ذكرت ميغان أوريك في مجلة «ذي أتلانتيك» عام 2019 أن الجمعية تعتبره «تشخيصاً علمياً مبهماً»، ولكن يتفق العلماء على أولوية الوقاية، فاجتهد بعضهم لإيجاد أسلوب علاج مختلف عبر شلِّ حركة البوريليا داخل القراد نفسه.

لذلك، بدأ إنتر مارك كليمبنر، طبيبٌ وعالم أمراض معدية في جامعة ماساتشوستس، بتجربة يمكن أن تغير مفهوم العلاج، حيث تتركز فكرته حول حقن جرعة من الأجسام المضادة بقصد الوقاية من المرض، حيث أدرك كليمبنر طريقة الجسم في مواجهة المرض بعد سنوات من البحث، ما وجه انتباهه عام 2014 نحو ابتكار علاج وقائي.

يوجد 18 نوعاً معروفاً من البوريليا المسببة للمرض في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، ويسعى كليمبنر لاستغلال نقطة ضعفها، وهي أن الجزء الخارجي للبكتريا مغطى ببروتينات السطح الخارجي التي تتحكم بسلوكها. يغلف بروتين السطح الخارجي «أ» (OspA) الميكروب داخل القرادة، ما يسمح لها بالالتصاق بجدران الأمعاء، وأن تمتص الدم عندما تلدغ، وأن تتجنب تدريجياً جهاز المناعة البشري. أراد كليمبنر إيجاد جسم مضاد يحيد (OspA) وتحويله إلى محلول قابل للحقن، فشاركه مجموعة من الأطباء والعلماء من شركة «ماس بايولوجيكس» (MassBiologics) وغيرها.

يطلق على العلاج اسم (Lyme PREP)، وتعني (PREP) «الوقاية السابقة للتعرض». يحقن في الدم العديد من الأجسام المضادة المتماثلة لمقاومة ميكروبات لايم، مما يمنع انتقال العدوى قبل دخول البكتريا للجسم. ومع حداثة فكرة كليمبنر، لا تعد طريقته جديدة، فقد كان كليمبنر من بين الباحثين في اللقاح المنافس (ImuLyme)، حيث أثبت لقاحا (Lymerix) و(ImuLyme) فعاليتهما في الوقاية من المرض بعد 3 حقن بنسبة تراوح بين 76% و92%، ولعل عدم طلب الشركة المصنعة للقاح (ImuLyme) للموافقة الفيدرالية كان سبباً لتوفر (Lymerix) قبله في السوق.

بعد مدة من انتشار اللقاح ظهرت أعراض آلام المفاصل لدى عدد من متلقي اللقاح، ولكن لم تجد إدارة الدواء والغذاء (FDA) دليلاً علمياً مباشراً لتُلقي باللوم على اللقاح، حيث لم يتجاوز عدد مظهري الأعراض 59 من بين 1.4 مليون جرعة. ولكن قررت شركة «سميثكلين بيتشام» سحب لقاح (Lymerix) من السوق بعد بيعها 10000 جرعة فقط عام 2002.

ويختلف لقاح كليمبنر عن لقاح (Lymerix) الذي يحثّ الجهاز المناعي على صنع أجسام مضادة لمحاربة (OspA)، ما يؤثر على تفاعلات المناعة الذاتية، على حين يقتصر لقاح (Lyme PERP) على حقنة من تلك الأجسام المضادة.

تجري شركة فالنيفا الفرنسية للتكنولوجيا الحيوية المرحلة الثانية من التجارب السريرية للقاح لايم في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث أبرمت العام الماضي صفقة مع شركة فايزر لتسويق لقاح (VLA15). كما بدأ كليمبنر في شهر فبراير المرحلة الأولى من تجربة لقاحه بمشاركة 60 شخصاً بهدف تحديد الجرعة الصحيحة لحماية الشخص لمدة ستة إلى 8 أشهر، بحيث يعطى (Lyme PREP) سنوياً.

وبناءً على التجارب السريرية يتوقع كليمبنر توفر اللقاح للاستخدام التجاري بحلول عام 2024.