الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الكمبيوتر يؤلف الروايات

الكمبيوتر يؤلف الروايات

يضغط الآلاف من عشاق روايات "لعبة العروش"، التي تحولت إلى أنجح مسلسل في التاريخ، على المؤلف الأمريكي جورج آر أر مارتن للانتهاء من كتابة الجزأين الأخيرين للسلسلة التي لم تنته كتابتهما حتى الآن رغم انتهاء أحداث المسلسل المأخوذ عنها، إلا أن المؤلف الذي يشتهر بالبطء والمزاجية في أداء عمله لا يتأثر كثيراً بهذه الضغوط ويكتب كلما شعر بالرغبة في الكتابة.

إلا أن "زاك ثوت" الذي يعشق هذه السلسلة الروائية قرر ألا ينتظر المؤلف أكثر من ذلك، وقام بابتكار نظام إلكترونى يعتمد على الذكاء الاصطناعي لكتابة مقدمة الكتاب الجديد إلكترونياً، وللقيام بهذا الأمر قام بتغذية النظام بأكثر من 5000 صفحة من كتب السلسلة وجلس في انتظار الكمبيوتر وهو ينتج تصوراته حول الخطوط الشخصيات في المراحل المقبلة وأحداث الأجزاء التي لم يكتبها المؤلف بعد. وعلى الرغم من أن التجربة لم تكن مثالية، إلا أن برنامج الكمبيوتر تعرف على الأسلوب الأدبي المميز للمؤلف الأمريكي وأصدر فصوله الإلكترونية باسم شخصية لكل فصل روائي كما يفعل المؤلف في عمله الكبير.

هذه التجربة الغريبة لم تكن الأولى من نوعها لاستخدام الكمبيوتر في تأليف الروايات، ولن تكون الأخيرة بالطبع، وتعود التجارب المبكرة إلى عام 2013 عندما دعا المطور والفنان "داريوس كازيمى" عبر تويتر إلى كتابة برنامج يمكنه إنتاج رواية أكثر من 50 ألف كلمة، ولكن رغم المحاولات المختلفة إلا أن الأعمال الناتجة حتى الآن لا تزيد عن كونها أعمالاً تجريبية تهدف لإمتاع مؤلفها وأصدقائه أكثر من كونها أعمالاً جديرة بالتوزيع على نطاق واسع.

من الروايات الحديثة التي أنتجها الكمبيوتر، واحدة بعنوان "شباب يتجولون حول المنزل" من إنتاج داريوس كازيمى، وفى الرواية يتجول عدد من المراهقين حول المنزل بشكل عشوائي ويروي البرنامج هذه التحركات. وعندما ينتهى بهم المطاف عند نفس الغرفة يبدأون حواراً تم سحبه من تغريدات تويتر، ويعمل البرنامج على استخدام كل جملة الكلمة الرئيسة نفسها مع تنويع المحادثة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون ذات معنى أو مثيرة للاهتمام، وبطبيعة الحال لا يمكن اعتبارها رواية بأي شكل من الأشكال.

ولكن التجربة الأهم في هذا المجال حدثت في الولايات المتحدة العام الماضي، عندما ذهب روائي في رحلة عبر الولايات المتحدة بهدف التجول ورصد التجربة وتحويلها إلى عمل مثير للكتابة، ولكن هذا المؤلف كان يتميز بشيء مختلف عن كل أساليب الرواية في التاريخ، حيث كان عبارة عن ميكروفون وجهاز تحديد المواقع العالمي GPS وكاميرا موصولة بحاسب محمول، باختصار نظام إلكتروني متكامل بهدف كتابة رواية.

نتيجة هذه التجربة الغريبة التي قام بها المبرمج روس جوديون كانت رواية حملت اسم "واحد على الطريق" والتي يقول عنها جودوين: "هذه وثيقة غير مكتملة إلى حد كبير، ومجرد نموذج أولى لاستكشاف ما يمكن الحصول عليه، والحقيقة أن الرواية الناتجة لا تشبه الأعمال البشرية، ولا تقترب على الإطلاق من أي رواية إنسانية"، ولكن في كل الأحوال يتم الترويج لهذه الرواية حالياً باعتبارها أول رواية أنتجها الذكاء الاصطناعي.

ويقول الخبراء إن "الشبكات العصبية" الإلكترونية يمكن تدريبها، وأنه بعد انتهاء هذا التدريب سوف تستطيع توليد النص الذي يرغب فيه المؤلف، سواء بشكل عشوائي تماماً أو اعتماداً على كلمات أو عبارات أولية محددة أو ما يمكن تعريفه باسم "البذور". واستخدم جودوين المشاهد والأصوات المسجلة على طول الرحلة لتوفير "البذور" حيث حدد البرنامج جملة واحدة في كل موقع بناء على الصور والمواقع والأصوات الصادرة من الميكروفون وحتى الساعة الداخلية للكمبيوتر. ولكن النتائج جاءت مرتبكة.

ما يسمى بالشبكات العصبية الإلكترونية لها العديد من المزايا في تقديم الابتكارات، وأبرز تطبيقاتها تظهر في مجال مجموعات البيانات الكبيرة، حيث تستطيع تحديد الأنماط الموجودة في مجموعات البيانات وإنتاج مخرجات تتبع نفس القواعد. على سبيل المثال أصبحت المقطوعات الموسيقية المستوحاة من أنظمة الذكاء الاصطناعي أو المكتوبة عبر تلك الأنظمة من الأنواع التي تشهد نمواً كبيراً هذه الأيام، لدرجة صدور ألبوم موسيقى يمزج بين موسيقى الآلة والإبداع الإنسانى ويحمل اسم The Songularity.

تستطيع الشبكات العصبية الإلكترونية أن تستمع إلى جميع موسيقى باخ وموتزارت وتستوعبها، وتدرب نفسها على أعمال شكسبير لإنتاج نصوص غير حقيقية مشابهة لأسلوب الكاتب، وبدأ انتشار هذا المفهوم على نطاق واسع لمحاولة إنتاج نماذج تحاكى ما يكتبه الإنسان. وهو الأمر الذي حاول جوديون أن يفعله في مشروع الرواية مع وضع لمسة ابتكار بشرية، حيث قامت المواد الأساسية للعمل بالتأثير في الكلمات المستخدمة وبناء الجمل ليحصل العمل على أسلوبه الخاص.

وإذا كان إنجاز الأعمال الإبداعية مثل الروايات عن طريق الذكاء الاصطناعي ما يزال في مراحل مبكرة للغاية للحكم عليه، إلا أن الأمر يختلف كثيراً عن التعامل مع النصوص العلمية والأكاديمية، التي تشهد نتائج أفضل بكثير.

على سبيل المثال، كشفت دار النشر الأكاديمية الكبيرة "سبرينجر نيتشر" عما أسمته أول كتاب بحثي تم إنجازه باستخدام تقنيات تعلم الآلة، وحمل الكتاب اسم "بطاريات الليثيوم- أيون: ملخص الأبحاث الحالية كما أنتجتها الآلة"، وهو بطبيعة الحال لا يصلح للقراءة الخفيفة، والكتاب كما يشير العنوان هو عبارة عن ملخصات لأوراق علمية محكمة حول موضوع البحث. وهو يتضمن اقتباسات وروابط مواقع، وإشارات للمراجع المستخدمة تم إنشاؤها آلياً. وقد أتاحته دار النشر للتحميل المجاني والقراءة.

وعلى الرغم من أن محتويات الكتاب في حد ذاتها غير مميزة، إلا أن وجوده في حد ذاته أمر مثير، أو كما قال الناشر في المقدمة المكتوبة بشرياً إن مثل هذه الكتب لديها المقدرة على بدء "عصر جديد من النشر العلمي" عن طريق أتمتة عملية الكتابة. ويشير الناشر إلى أنه خلال ثلاثة أعوام فقط تم نشر أكثر من 53 ألف ورقة بحثية حول بطاريات الليثيوم أيون. وهذا الأمر يمثل تحدياً كبيراً أمام العلماء، ولكن باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى لاستيعاب وتلخيص هذا الكم الهائل من المعلومات يمكن للعلماء توفير الوقت والتركيز في الأبحاث المهمة.

وعلى الرغم من أن الطفرة الأخيرة في تقنيات تعلم الآلة قد حسنت إلى حد كبير من قدرة أجهزة الكمبيوتر على توليد الكلمات المكتوبة، إلا أن المخرجات النهائية لا تزال محدودة بشكل كبير، ولم تتمكن الآلات الذكية حتى الآن من إنتاج التماسك والبنية والمشاعر التى تعكسها الكلمات البشرية، الأمر الذي يجعل معظم التجارب المولدة آلياً خاصة في مجال الرواية أو الشعر تعتمد على اللعب على النسق والتكرار الذي تبرع فيه الآلة. أما النصوص الأدبية المقنعة ذات الملامح الخاصة فما يزال المشوار أمامها طويلاً للغاية.

وعن هذا الوضع يقول روس جودوين صاحب تجربة استخدام الآلة في كتابة الرواية: "عندما نعلّم أجهزة الكمبيوتر أن تكتب، فهذه الأجهزة لا تحل محل البشر بدرجة أكبر مما يمكن أن يحدث عندما يحل البيانو مكان العازف. ما يحدث هو أنه بطريقة معينة تصبح هذه الأجهزة أقلام الكاتب، ونتحول لنكون أكثر من كتاب. نكون مؤلفي المؤلفين".