الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تويتر يواجه أكاذيب «السياسيين»

كانت انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، مرحلة فارقة في تاريخ انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة عبر الإنترنت، والتداعيات التي تلت تلك الفترة، وارتفاع وتيرة نشر الأخبار المزيفة لتحقيق استفادة سياسية أو نشر العنف والكراهية، وضعت منصات التواصل الاجتماعي تحت دائرة الضوء، باعتبارها المركز الرئيس لهذا النشاط على مستوى العالم، تلك التجربة المريرة في 2016 دفعت الكثير من المنصات لاتخاذ العديد من إجراءات المكافحة ـ القاصرة حتى الآن ـ لمواجهة المشكلة خاصة في مجال التلاعب السياسي، وآخر هذه الإجراءات ما أعلنته تويتر مؤخراً من اختبارها بعض الأساليب لتصنيف وتوضيح تغريدات تويتر التي يكتبها السياسيون والتي تحتوي على معلومات مضللة أو خاطئة.

الخاصية الجديدة نشرت عنها للمرة الأولى قناة NBC News الأمريكية قبل أن تؤكدها لاحقاً شركة تويتر.

ومع هذه الخاصية فإن التغريدة التي يكتبها أحد السياسيين وتحتوي على معلومات خاطئة سيتم إبرازها بتحذير برتقالي واضح باعتبارها تغريدة مضللة، كما سيتم عرض تغريدات من مدققي الحقائق والصحافيين الذين تم التحقق من معلوماتهم تحت هذه التغريدة لتوضيح معلوماتها الخاطئة.

وتفكر الشركة أيضاً في تضمين تصحيحات أخرى من مستخدمين آخرين في تقرير مجمع مأخوذ من مصادر عامة وهي ميزة تشبه ما تفعله موسوعة «ويكيبديا» في تصحيح المعلومات المنشورة.

متحدث باسم تويتر قال لوسائل الإعلام الأمريكية عن الاختبارات الجديدة إن النموذج الذي تسرب للإعلام هو أحد الأساليب التي تختبرها المنصة، مؤكداً: «نحن نستكشف عدداً من الطرق للتعامل مع المعلومات المضللة وتوفير المزيد من السياق الملائم للتغريد، المعلومات الخاطئة قضية خطيرة ونحن نجرب العديد من الطرق المختلفة للتعامل معها».

تردد أيضاً أن تويتر تفكر في تأسيس نظام تقييم مجتمعي، عن طريق منح المستخدمين «نقاطاً» وشارة خاصة تحمل اسم «شارة المجتمع» لتوفير سياق منطقي للتغريدات المضللة، حيث يُطلب من أفراد المجتمع تقييم محتوى التغريدة باعتبارها «مرجحة» أو «غير مرجحة» وصولاً إلى درجة أن المحتوى زائف بشكل يمثل ضرراً على المستخدم، وكلما زادت ثقة المجتمع في المعلومات التي يقدمها المستخدم زاد مجموع نقاطه.

في أحد الأمثلة التطبيقية التي عرضتها الشركة للفكرة الجديدة، يزعم «بيرني ساندرز» المرشح الديمقراطي المحتمل للانتخابات الأمريكية في تغريدة أن 40% من الأسلحة في الولايات المتحدة تباع دون فحص خلفية المشتري، وهذه التغريدة تم إبرازها باللون البرتقالي باعتبارها «مضللة بشكل ضار» وتحتها تظهر تعليقات توضيحية من «أعضاء المجتمع» الذين يرمز إليهم بدرع أخضر واضح، وعلى وجه التحديد استند تصريح ساندرز إلى دراسة قديمة أُجريت عام 1997، إلا أن الدراسات الحديثة تُظهر أن هذه النسبة لا تتجاوز حالياً 22%.

وعلى الرغم من أن مصادر المعلومات الجماعية التي تستند إلى الجمهور تعاني من مشاكل مختلفة، وأبرز مثال في هذا الصدد معلومات ويكيبديا وتصويباتها، إلا أن الخطوة التي تعمل عليها تويتر هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وفي حين أن المنصة معروفة أحياناً بتفشي المعلومات الخاطئة عبرها، إلا أنها في الوقت ذاته تستضيف مجموعة واسعة من الصحافيين والهيئات المهتمة بالتحقق من المعلومات، وتأتي الإضافات الجديدة لتكون درعاً جديداً في مواجهة فيروس المعلومات المضللة.

الخطوة الجديد التي تستهدف مراجعة معلومات السياسيين، تأتي بعد أسابيع قليلة من إعلان المنصة لمراجعة صحة المعلومات التي تنشرها الحسابات عبر المنصة، حيث عملت الشركة على مدار عدة أشهر لوضع سياسة صارمة لتحديد المحتوى المتلاعب به أو المضلل، ثم أطلقت أخيراً مجموعة قواعد رسمية في هذا الإطار تهدف في الأساس إلى مكافحة محتوى «التزييف العميق».

وتقول القاعدة التي تلزم بها تويتر مستخدميها: «لا يجوز لك مشاركة محتوى تم التلاعب به لخداع المستهلك، والذي من المحتمل أن يتسبب في أضرار للآخرين. وبالإضافة إلى ذلك قد تقوم الشركة بتصنيف أو تحديد بعض التغريدات التي تحتوي على تلاعب وذلك لمساعدة الجمهور على فهم أصالتها وتوفير السياق المرتبط بها».

وعلى أرض الواقع، أصبحت تقنيات «التزييف العميق» محور اهتمام العديد من عمالقة الإنترنت في الفترة الأخيرة، حيث أطلقت كل من فيسبوك وغوغل مبادرات بحثية جديدة للتعرف أكثر على تلك الظاهرة وكيفية اكتشافها والتعامل معها بفاعلية.

ولكن من وجهة نظر مستهلك الإنترنت، فإن تلك الظاهرة لم تصل بعد إلى مستوى العمق والتأثير العام الذي وصلت إليه المعلومات الزائفة التقليدية، ولكن الإجراءات العديدة التي يتخذها عمالقة الإنترنت تشي بأن الموجات الأكثر خطورة من عمليات التزييف العميق قادمة في الطريق، خاصة أن تكنولوجيا إنتاج الفيديو المزيف أصبحت متاحة على نطاق واسع وأكثر سهولة في الاستخدام كما أنها أكثر إقناعاً من أي وسيلة أخرى، وبالتالي يمكن استخدامها كإحدى الوسائل الفعالة للتلاعب بالرأي العام.

ومن السهل للغاية أن نتخيل حجم هذه المشكلة، ففي هذه الأيام يميل أغلب الناس إلى تصديق ما يختارونه عبر الإنترنت، مثلاً إذا كانت القصة الإخبارية التي يقرؤها المستخدم لا تتماشى مع قناعاته الشخصية، فمن السهل أن يرفضها ويبحث عن مصدر آخر يقدم له الرؤية التي يريدها، وساعد على نمو هذا الاتجاه ما يفعله بعض السياسيين وقادة العالم من رفض التقارير الصحافية الموثقة واعتبارها «أخباراً زائفة» الأمر الذي ينعكس على قطاع واسع من مؤيدي هؤلاء القادة.

وفي ظل هذا المناخ الإعلامي المرتبك، يمكن الرهان على أن مقاطع الفيديو المزيفة والتي تتوافق مع هوى المستخدم ستجد رواجاً واسعاً، وسوف تنتشر بسرعة فائقة، وبالتالي فإن الأمر يلقي المزيد من الأعباء على المنصات الاجتماعية لاتخاذ إجراءات استباقية لمكافحة هذا الاتجاه.

ويأمل الخبراء في أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إبطاء زخم تطور وانتشار تقنيات التزييف العميق، ودفع الناس إلى إعادة النظر فيها، وبما أنه من المستحيل إيقاف ظهور المحتوى المتلاعب به بطريقة «التزييف العميق» تماماً، فعلى الأقل تؤدي هذه الجهود إلى تحجيم انتشاره وتقليل تأثيره إلى الحد الأدنى.

وكانت خطورة انتشار المعلومات الزائفة قد بدأت تتضح للعالم بعد انتخابات عام 2016 في الولايات المتحدة، حيث كشف الباحثون والخبراء عن شبكات ضخمة تعمل بطريقة آلية Bots وبطريقة متشابكة، وتضم إحداها نحو 500 ألف حساب مزيف، وتم استخدام هذه الشبكات الهائلة على نطاق واسع خلال فترة الانتخابات لإعادة تغريد الرسائل المؤيدة للمرشح وقتها دونالد ترامب، وبالتالي تعزيز الرسائل التي يقدمها بين الجمهور والتقليل من خصومه.

واستمر هذا الأسلوب في الاستخدام في العديد من القضايا الأخرى خلال السنوات اللاحقة كان أحدثها اكتشاف شبكة من الحسابات الآلية التي تنشر معلومات مغلوطة حول أزمة حرائق الغابات الأسترالية، الأمر الذي يضخم نظريات مؤامرة مناهضة التغير المناخي وغيرها.

ورغم هذه الجهود المختلفة، إلا أن خبراء الشبكات الاجتماعية يؤكدون أنه إذا لم تصل المنصات الاجتماعية إلى حل ناجع لمشكلة استخدام الحسابات الآلية Bots التي تنشر المعلومات الخاطئة على نطاق واسع، فإن أي محاولات من قبيل تصحيح المعلومات ووضعها في السياق لن تكون أكثر من عملية تجميل خارجية لا تعالج المرض الحقيقي.