الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الكونغرس الأمريكي في مواجهة «تيك توك»

الكونغرس الأمريكي في مواجهة «تيك توك»

الكونغرس الأمريكي في مواجهة «تيك توك»

يثير تطبيق «تيك توك» للتواصل الاجتماعي والفيديوهات القصيرة المملوك لشركة صينية، والذي يحقق نجاحاً ساحقاً على مستوى العالم خاصة في أوساط المراهقين، المخاوف الأمنية منذ فترة، ولكن هذه المخاوف اتخذت الأسبوع الماضي شكل الإجراءات القانونية في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما بدأ الكونغرس مناقشات تمهيدية لإقرار قانون يحظر تشغيل التطبيق على أي أجهزة اتصالات حكومية.

مشروع القانون قدمه السيناتور جوش هاولي، الذي وصف التطبيق بأنه «خطر أمنى كبير على الشعب الأمريكي»، وخلال جلسة الاستماع قال مسؤولون من مكتب التحقيقات الفيدرالية ووزارة العدل وهيئة الأمن الداخلي إن هذا التطبيق يمكن أن يتحول ببساطة إلى أداة يمكن أن استغلالها في التجسس العالمي.

على مستوى التطبيقات الاجتماعية، يحظى «تيك توك» بشعبية هائلة بين أجيال الصغار والمراهقين في جميع الدول، ويكفي أنه كان التطبيق الأكثر تنزيلاً على مستوى العالم خلال العام الماضي بإجمالي 700 مليون تحميل، ورغم أن التطبيق تملكه رسمياً شركة صينية خاصة إلا أن الولايات المتحدة تعتقد أن تلك الشركة تسيطر عليها الحكومة الصينية، وأن استخدامات التطبيق ليست بريئة، وهو الأمر الذي شدد عليه كلايد والاس المسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالية «FBI» خلال الجلسة عندما قال: «هذا التطبيق هو أبرز الأمثلة على عدم إدراك المواطن العادي للآثار الكامنة وراء التطبيقات التي يستخدمها، وهذا التطبيق تتم إدارته من قبل واجهة تتحكم بها الحكومة وراء الستار».


المشكلة الأساسية في هذا المنطق أن البيانات التي يمكن جمعها من المواطنين خلال استخدام التطبيق لا ترتبط على الإطلاق بالقضايا الحساسة أو وثيقة الصلة بالأمن القومى، ولكن والاس يقول إن المعلومات العادية التي يتداولها الجمهور يمكن تجميعها واستخدامها في العديد من الأغراض. وفيما يتعلق بتطبيقات وشبكات الاتصالات داخل الصين، فإن القوانين هناك تمكن الحكومة من أن تطلب أي معلومات أو بيانات من أي شركة صينية دون إمكانية الرفض من الشركات.


وربما يندهش البعض من حجم المعلومات الشخصية التي يمكن للتطبيق الترفيهي أن يجمعها عن المستخدم، ففي شهادته المكتوبة أمام نواب الكونغرس، يقول والاس «إن التطبيق يستطيع أن يجمع الكثير من المعلومات الشخصية بما في ذلك القياسات الحيوية للمستخدم إضافة إلى قوائم الاتصالات الخاصة به، وبيانات الموقع الجغرافي وتفاصيل الحسابات البنكية والمالية الخاصة، وإن جميع هذه البيانات يمكن نقلها إلى مواقع أخرى بما في ذلك أجهزة الشبكة الصينية الأم واستخدامها بعد ذلك في أي غرض».

الخبراء الأمنيون شددوا جميعاً على أن هذا التطبيق الترفيهي يمكن أن يمثل خطراً أكثر بكثير مما يعتقده المستخدم، حيث أشار براين وير مسؤول الأمن السيبراني في وزارة الأمن الداخلي إلى أن البيانات التي يجمعها «تيك توك» يمكن أن تصبح جزءاً من قاعدة بيانات ضخمة يسهل استغلالها بعد ذلك، مؤكداً أن الصين لديها عدد من البرامج المذهلة فى جمع البيانات وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل بما يمكّنها من الاستفادة من تلك البيانات لأغراض لا نعرفها تماماً الأمر الذي يثير المزيد من القلق لدى خبراء أمن المعلوماتية، وهو الأمر الذي يعنى ضرورة عدم السماح مطلقاً بتواجد هذا التطبيق على أي جهاز أو شبكة حكومية داخل الولايات المتحدة.

مخاطر التطبيق أوضحها آدم هايكي المسؤول فى وزارة العدل الأمريكية بالقول إن تجميع المعلومات عبر التطبيق يسهل على أجهزة الاستخبارات الأجنبية اختراق الأجهزة التي يستخدمها موظفو الحكومة، وربما يساعد فى تجنيد عدد منهم للعمل مع تلك الحكومات.

جلسة الاستماع تأتى بعد أسابيع من اتفاق نادر بين أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على مخاطبة مدير الاستخبارات الوطنية للتحقيق فى خطورة «تيك توك» على الأمن القومى، وطالب الخطاب بإجراء تقييم للتطبيق وباقي منصات المحتوى الصيني وإخطار الكونغرس بالنتيجة.

وبالإضافة إلى المخاوف الأمنية، اتهم السيناتور مارو روبيو التطبيق بمحاولة فرض رقابة على المحتوى الذي يتم تداوله داخل الولايات المتحدة ليتماشى مع مصالح الحكومة الصينية، وإيقاف النقاش الحر فى الموضوعات التي تعتبرها بكين «حساسة».

اهتمام الكونغرس بتلك المخاطر الأمنية يأتي بعد أسابيع من قرار نهائي اتخذه الجيش الأمريكي بمنع استخدام التطبيق على أي جهاز موبايل رسمي يستخدمه العاملون، وقال متحدث باسم الجيش إن القرار يأتي لاعتبارات أمنية تتعلق بالتطبيق وحجم البيانات التي يجمعها والجهات الأجنبية التي تقف خلفه.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت إدارة النقل الأمريكية التوقف عن استخدام مقاطع فيديو «تيك توك» فى منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأكدت الإدارة أنها لم تمتلك في أي يوم حساباً على الشبكة الاجتماعية أو قيامها بإنتاج أي مقاطع فيديو على التطبيق، لكنها فى الوقت نفسه أكدت أن عدداً صغيراً من موظفيها يستخدمون أجهزتهم الشخصية لتصوير بعض المقاطع وأن الإدارة أحياناً كانت تستخدمها فى منشوراتها على الوسائل الاجتماعية.

وتحت وطأة الانتقادات الكبيرة، قامت «تيك توك» بنفي هذه الادعاءات فى منشور على مدونتها الرسمية أكدت فيه إنها تحتفظ بجميع بيانات المستخدمين الأمريكيين على خوادم داخل الولايات المتحدة، وأن النسخ الاحتياطية محفوظة فى سنغافورة وأن أي من هذه البيانات جميعاً لا تخضع للقانون الصيني.

والأكثر من ذلك أن الشركة أكدت أنها لا تقوم برقابة المحتوى المرتبط بالموضوعات «الحساسة» فى الصين، وأنها لن تقوم بذلك.

ورداً على سؤال لمجلة «VOX» حول افتقار المنصة النسبى لمحتوى الموضوعات السياسية، قال متحدث باسم «تيك توك» أن السبب الأساسي فى ذلك هو أن الغالبية العظمى من الجمهور تستخدم المنصة للترفيه الإيجابي المبهج وبالتالي يغيب الاهتمام بالسياسة وأن هذا الأمر لا علاقة له بسياسات الشركة ولكنه يرتبط باهتمامات الجمهور.

وتعليقاً على الإرشادات الصارمة لنشر المحتوى التي أصدرتها الشركة سابقاً، قال المتحدث إنه فى الفترة الأولى لإطلاق التطبيق اتبعت الشركة أسلوباً صارماً لمراجعة المحتوى فى محاولة لقصره على الجوانب الترفيهية الممتعة فقط، ولكن مع انتشار التطبيق ودخوله فى العديد من الأسواق الجديدة أدركت الشركة أن هذه الصرامة ليست النهج الصحيح، ولذا أعادت الشركة النظر فى هذه القواعد محلياً.

بطبيعة الحال لم تؤدِ تصريحات الشركة إلى طمأنة صناع القرار فى الولايات المتحدة، بل على العكس تزايدت المخاوف، والأكثر من ذلك أن هذا الصراع بدأ فى الانتقال إلى المواطن أيضاً، حيث قامت طالبة جامعية أمريكية تدعى «ميستى هونج» برفع دعوى قضائية ضد «تيك توك» بدعوى نقل بياناتها الخاصة إلى خوادم فى الصين، وأن هذه البيانات تضمنت موقع المستخدمين الجغرافي وأرقام هواتفها الشخصية وقوائم الاتصال وحتى عناوين IP الخاصة بأجهزتها، المثير أن الشركة تذكر بوضوح أن نسخة قديمة من سياسة الخصوصية التي يوافق عليها المستخدم تنص بوضوح على إمكانية إرسال البيانات للصين، ولكن الدعوى القضائية تقول إن البيانات تم إرسالها بعد تغيير سياسة الخصوصية وحذف هذا البند.

ويتوقع الخبراء أن نشهد المزيد من التصعيد فى الملف بين المشرعين الأمريكيين والتطبيق الصيني، خاصة مع استمرار الحرب الاقتصادية بين الدولتين، والتي ترتكز على تكنولوجيا الاتصالات فى المقام الأول.