الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

بؤر انتشار الأخبار الكاذبة فى زمن «كورونا»

رغم الجهود الكبيرة التى تبذلها شركات المنصات الاجتماعية لمكافحة الأخبار الزائفة المتعلقة بفيروس كورونا، إلا أن المزيد والمزيد من هذه الأخبار ينتشر كالنار فى الهشيم وبسرعة تواكب انتشار الفيروس نفسه.

ووسط العديد من مراكز نشر الأخبار الزائفة تبرز بشكل كبير بعض منصات «فيس بوك» سواء تطبيق «واتساب» أو المجموعات الخاص التى تمتلىء بنظريات المؤامرة، والأخبار الكاذبة، والمعلومات العلمية المضللة، والهاكرز والمحتالين.

غالبية هذه الأكاذيب يتم مشاركتها على نطاق واسع فيما يعرف باسم «المجموعات الخاصة» داخل «فيس بوك» ومثلها مجموعات واتساب، أو المجموعات التى يتم الانضمام إليها من خلال دعوات مؤسسيها، والتى تمكن الكثير منها من إضافة عشرات الآلاف من المشاركين بشكل جماعى خلال الأسابيع الأخيرة ومع انتشار أزمة كورونا.

وعلى العكس من مزود الأخبار على صفحات فيس بوك العامة، والتى يتم دعمها بشكل دائم بنصائح الصحة والعامة والعديد من الأخبار الموثوقة، فإن المجموعات الخاصة نادراً ما يتم مراقبتها أو الإشراف عليها، وقد كشفت مراجعة لأكثر من 30 مجموعة مرتبطة بمعلومات فيروس كورونا قامت بها مجلة «بوليتيكو» الأمريكية خلال الأسبوعين الماضيين، عشرات الأمثلة من الأكاذيب وأنصاف الحقائق والشائعات المنتشرة عبر هذه المجموعات التى تضم مجموعات عرقية مختلفة، وتعمل بالعديد من اللغات المختلفة أيضاً، وهى المجموعات التى تستهدف الناس عبر أوروبا والولايات المتحدة.

وفى الوقت الذى يوفر فيه عملاق الشبكات الاجتماعية قدراً أكبر من الشفافية بشأن المجموعات التى تشترى الإعلانات السياسية، إلا أن هناك القليل من المعلومات العامة المعروفة، إن وجدت، حول كيفية تفاعل الأشخاص داخل تلك المجموعات الخاصة، أو نوعية المحتوى الذى يقومون بمشاركته، خاصة أن تلك المجموعات فى معظم الحالات تكون نقطة انطلاق المعلومات الزائفة على شبكة الإنترنت.

كلوى كوليفر، الذى يرأس وحدة البحث الرقمى فى معهد الحوار الاستراتيجى، وهو مركز أبحاث فى لندن يركز على خطاب التطرف، والذى يقود فريقاً يعمل على تتبع المعلومات الخاطئة المتعلقة بفيروس كورونا، يقول: «ما يحدث فى هذه المجموعات مشكلة ضخمة لأننا ببساطة لا نمتلك فكرة واضحة عن حجم المشكلة، ولكن مما توصلنا إليه، فإن هذه المشكلة ضخمة بالفعل».

«زوكبيرغ»: جهود لمنع انتشار المعلومات المضللة لأنها تمثل تهديداً لحياة البشر

تبذل «فيس بوك» الكثير من الجهود لمكافحة انتشار هذا المحتوى الزائف، وتعتمد بشكل أساسى على تقنيات الذكاء الاصطناعى لإزالة المحتوى الضار تلقائياً، ويعود الاعتماد على عمل الآلة إلى أن غالبية المراجعيين البشريين والذين يرتبطون بعقود خارجية مع الشركة، يخضعون إلى العزل المنزلى المطبق فى غالبية دول العالم وبالتالى لا يمكنهم تنفيذ هذه الأعمال.

هذا الأسلوب فى المراجعة اعتماداً على الأنظمة الآلية، أدى إلى ظهور العديد من الشكاوى من المستخدمين من عدم قدرتهم على نشر محتوى صحيح ومفيد أو رسمى حول فيروس كورونا، لأن الآنظمة الآلية لعملاق الشبكات الاجتماعية تعتقد أن هذا المحتوى مخالف لشروط الخدمة، الأمر الذى دعا زوكبيرغ للتصريح للصحفيين أن هذه الأخطاء وقعت نتيجة أخطاء فى البرمجة وأنه تم إصلاحها لاحقاً.

وقالت كلير ويرنغ، المتحدثة باسم الشركة فى بيان للإعلام: «نحن نركز على ربط الناس بمعلومات صحيحة ودقيقة، ونعمل على إزالة المعلومات الكاذبة المتعلقة بفيروس كورونا، بما فى ذلك تلك المعلومات المتداولة داخل المجموعات المغلقة».

وعلى الرغم من هذه التطمينات، إلا أن الأمر لا يستغرق وقتاً طويلاً للعثور على الكثير من الأكاذيب فى مجموعات «فيس بوك» الخاصة التى تضم عشرات الآلاف من الأعضاء، مثلاً فى العديد من المنشورات التى غالباً ما تتضمن روابط لمقاطع الفيديو على شبكات اجتماعية أخرى، مثل: تويتر، ويوتيوب، يعيد مستخدمو فيس بوك استخدام نفس لقطات المرضى الذين يرقدون على أرضية المستشفى كدليل على فشل البلدان المختلفة فى التعامل مع الفيروس.

ويلاحظ الخبراء أن المستخدمين ينشرون نفس المقاطع للتدليل على صعوبة الوضع فى فرنسا وإسبانيا وإنجلترا والولايات المتحدة، رغم أن تلك اللقطات لا ترتبط بأى من هذه البلدان بالأساس.

وفى مقطع فيديو آخر، ينشر مواطن بريطانى أنه تلقى العديد من الرسائل النصية من حكومة بلاده تقول إنه سيتم تغريمه 30 جنيهاً استرلينياً بسبب مغادرته للمنزل 3 مرات فى يوم معين.

بطبيعة الحال لا توجد هذه الغرامات فى إنجلترا، وفى مقطع آخر تقول سيدة أمريكية فى مقطع فيديو منشور على «يوتيوب» أن فيروس كورونا هو سلاح بيولوجى تستخدمه الحكومات الأجنبية لإضعاف الولايات المتحدة.

مجموعات «فيس بوك» الخاصة تضم عشرات آلاف المشاركين وتساهم فى التضليل

ورغم ضرر هذه الشائعات، إلا أنه فى أنحاء أخرى من شبكة «فيس بوك» تكون الأكاذيب المنتشرة أكثر ضرراً، مثلاً: فى العديد من مجموعات «فيس بوك» الخاصة التى تضم عشرات الآلاف من المشاركين، نشر مستخدمون على نطاق واسع، إدعاءات بأن المهاجرين واللاجئين فى العديد من البلدان كانوا هم المريض «صفر» أو من نقل العدوى لتلك الأماكن، وفى مجموعات أخرى تسود نظريات مؤامرة واسعة النطاق من بينها أن فيروس كورونا هو أحد الآثار الجانبية لشبكات الجيل الخامس للاتصالات، كما حاز فيديو منشور على يوتيوب على عدد هائل من المشاهدات وهو يستعرض رحلة مواطن أمريكى إلى عدد من المستشفيات، بحثاً عن أى مريض بكورونا، ولكنه لا يجد أى مريض.

لا يتوقف انتشار المعلومات الكاذبة عند هذا الحد، ولكن تطبيق «واتساب» المملوك أيضاً لشركة «فيس بوك» يعد أحد المراكز الرئيسية فى العالم لانتشار المعلومات الخاطئة حول «كورونا»، الأمر الذى تحول إلى مشكلة عالمية دعت الكثير من القادة لحث الناس على عدم ترويج مثل هذه الادعاءات.

مثلاً، كتب ليو فارادكار، رئيس الوزراء الأيرلندى عبر تويتر الأسبوع الماضى: «أحث الجميع على التوقف عن مشاركة معلومات لم يثبت صحتها عبر مجموعات الواتساب، مثل هذه الرسائل تربك الناس وتتسبب فى أضرار حقيقية».

وغالباً ما تصل المعلومات الخاطئة إلى الهواتف الذكية فى رسائل يتم إعادة توجيهها بواسطة أحد الأصدقاء أو الأقرباء، وتحتوى فى الغالب على معلومات يُزعم أنها قادمة من طبيب بارز أو صديق يعمل فى الحكومة، وخطورة هذه الرسائل غالباً، أنها تمزج بين معلومات صحيحة مثل ضرورة غسل الأيدى بشكل صحيح مع معلومات مضللة تماماً، على شكل نصائح تقول مثلاً: إن شرب الماء الدافىء كل 15 دقيقة سيوقف تأثير الفيروس.

تشفير رسائل «واتساب» يمنع مراجعة المحتوى المزيف الذى يتبادله المستخدمون

ما يزيد المشكلة تفاقماً، هو التشفير الذى يستخدمه التطبيق بين المرسل والمستقبل، الأمر الذى يمنع مسؤولي الصحة العامة ومجموعات مراقبة انتشار المعلومات الخاطئة من معرفة الحجم الحقيقي للمشكلة، أضف إلى ذلك أن «واتساب» نفسه لا يراقب تدفق الرسائل عبر المنصة.

تقول «واتساب» إنها اتخذت عدداً من الخطوات، للحد من انتشار المعلومات الخاطئة، فهى تقدم التبرعات لمجموعات التحقق من المعلومات، كما يمكن للمستخدمين إعادة توجيه الرسائل التى تصلهم إلى حسابات خاصة يمكنها التحقق من المعلومات، وقال «ويل كاثكارت» رئيس واتساب فى تغريدة عبر تويتر: «لدينا حالياً ما يزيد عن 12 مدققاً للمعلومات المحلية، ونرغب فى زيادتهم حتى نتمكن من تحديد الشائعات ومواجهتها».

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الشركة أنها تبرعت بمليون دولار إلى منظمة التحقق من المعلومات الدولية ICFN، كما أطلقت صفحة مخصصة للمعلومات الرسمية حول الفيروس، بالإضافة إلى توفير عدد من خطوط الاتصالات الساخنة لهيئات مثل: «منظمة الصحة العالمية» واليونيسيف. فى الوقت نفسه تقدم وزارات الصحة فى العديد من دول العالم مثل سنغافورة وجنوب إفريقيا وإندونيسيا تحديثات مباشرة عن الفيروس عبر «واتساب» من خلال عدد من الحسابات الآلية.

ومع تفاقم مشكلة الفيروس الصحية، تتفاقم أيضاً مشاكل الأخبار الكاذبة، الأمر الذى دعا مارك زوكبيرغ، الرئيس التنفيذى لشركة «فيس بوك» لإخبار الصحفيين مؤخراً أن شركته تعمل على اتخاذ خطوات أكبر، لمنع المعلومات الخاطئة المرتبطة بالفيروس من الانتشار عبر الإنترنت لأنها تمثل تهديداً مباشراً لحياة البشر، موضحاً: «فى حالة انتشار وباء مثل هذا، وعندما نرى منشورات عبر المنصة تحث الناس على عدم تلقي العلاج، فنحن هنا نتعامل مع مستوى مختلف تماماً من المحتوى المضلل يختلف تماماً عما نراه فيما يقوله المرشحون للانتخابات عن بعضهم البعض».