الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«الحظر» يرفع معدلات سرقة المحتوى الترفيهي

شهد استخدام الإنترنت ارتفاعاً هائلاً في أغلب دول العالم خلال شهور الحظر والعزل المنزلي مع انتشار فيروس «كورونا»، لكن تلك الفترة أيضاً شهدت ارتفاعاً كبيراً في إحدى الظواهر السلبية المرتبطة بالإنترنت، وهي قرصنة المواد الترفيهية من أفلام وأعمال تلفزيونية وغيرها، التي شهدت هي الأخرى قفزة هائلة خلال الفترة الأخيرة، وفقاً للمؤسسات التي ترصد أحوال القرصنة الرقمية.

وتشير البيانات التي رصدتها مؤسسة Muso TNT، ومقرها لندن، إلى أنه في الفترة بين 20 فبراير و20 مارس الماضي قفزت زيارات مواقع الأفلام المقرصنة من مستخدمي الولايات المتحدة وبريطانيا بنسبة 31%، وتشير نفس البيانات إلى نمو مماثل فى إسبانيا 35%، والبرتغال 37%، والهند 33%، وألمانيا 30%، بينما حققت إيطاليا أكبر معدلات الزيادة بنسبة 50%.

وخلال شهر واحد في الولايات المتحدة، رصدت المؤسسة 137 مليون مشاهدة للصفحات في أكثر من 19 ألف موقع ويب تقدم خدمات البث المباشر و«بت تورنت» للوصول إلى الأعمال المقرصنة، كما رصدت أكثر من 601 مليون مشاهدة لصفحات المواقع التي توفر الوصول إلى المحتوى التلفزيوني المقرصن، وفي تحليل تلك الأرقام، تقول المؤسسة أن هذه القفزات كان يمكن رصدها سابقاً خلال فترات نهاية الأسبوع مع الإجازات، وتحولت خلال فترة العزل إلى الأرقام الطبيعية طوال جميع الأيام.


صورة معقدة


ويقول الرئيس التنفيذي للمؤسسة في تصريحات لموقع «ماذر بورد» الأمريكي، أندي شاترلي: «الصورة العامة للقرصنة معقدة للغاية، وهناك الكثير من الاختلافات بينها تبعاً للمناطق التي يتم رصدها، كذلك هناك اختلاف بين نوعية المواد المقرصنة نفسها».

وفي الواقع العملي، يتصل الكثيرون من الباحثين عن المواد المقرصنة عبر خدمات VPN المشفرة، التي تمنع تتبع عناوينهم الإلكترونية الأصلية، وهوياتهم، ونوعية النشاط الذي يمارسونه على الشبكة، ولصعوبة تتبع هذه المسارات المشفرة قامت المؤسسة باستبعاد مستخدمي شبكات VPN من بيانات التقرير، وهو الأمر الذي يعني أن الأعداد الحقيقة لزوار مواقع القرصنة ربما تكون أكبر بكثير مما أُعلن عنه.

ومع بقاء العديد من المستخدمين في المنزل، فإن ارتفاع عمليات القرصنة لا يمكن اعتباره مفاجأة كبيرة، خاصة أن العديد من مزودي خدمات الإنترنت في الولايات المتحدة وغيرها علقوا الحدود القصوى للتحميل، وألغوا رسوم الاستخدام الزائد خلال فترة العزل، خصوصاً بعد الانتقادات الكبيرة التي تعرضوا لها باحتكار الخدمات وتقديمها بأسعار مبالغ فيها خلال فترة استثنائية.

ويرى الخبراء أن الجانب الأخطر لهذه الأرقام يتعلق باحتمالية ألّا يرغب المستخدم الذي اعتاد على القرصنة أثناء الوباء في العودة للاشتراك في خدمات البث أو خدمات التلفزيون التقليدية بعد عودة الحياة الطبيعية، ويعود ذلك بشكل أساسي للصعوبات المالية التي يتسبب بها الوباء للناس.

طرق المواجهة

ارتفاع الأرقام المتعلقة بالقرصنة، يعيد إلى الواجهة مرة أخرى الجدل المحتدم حول أفضل الطرق لمواجهة سرقة المحتوى الترفيهى، وعلى الرغم من أن الكثير من الخبراء يرون الحل المناسب هو تقديم منتجات أفضل وأرخص للمستهلكين، إلا أن صناعة الترفيه نفسها بذلت الكثير من الجهد والأموال والسنوات فى مطاردة محمومة ليس للقراصنة الكبار فقط، لكن للمستخدمين الذين يتداولون تلك المواد، كما بذلت الكثير من الجهد فى تكوين جماعات الضغط لإصدار المزيد من قوانين حماية الملكية الفكرية، وحقوق طبع ونشر المواد الرقمية.

لكن خلال السنوات العشر الأخيرة، بدأت أفكار صناعة الترفيه في التطور فى اتجاهات أخرى، وبدلاً من التعامل مع المستهلكين (المتعاملين المحتملين) باعتبارهم أشراراً بشكل مطلق، بدأت تلك الشركات في الانتباه إلى الأرقام التي تقول إن أفضل طريقة للقضاء على القرصنة هى الاستماع إلى المستهلكين والبدء فى منحهم ما يرغبون فيه من خدمات جيدة بكلفة معقولة.

وبالعودة إلى التاريخ، فإن البداية الحقيقية لقرصنة المحتوى يمكن تتبعها حتى أواخر التسعينات من القرن الماضي، ففي ذلك الوقت لجأ غالبية مستخدمى الإنترنت بشكل كبير إلى خدمات مثل «نابستر» و«بت تورنت» أو آليات مشاركة الملفات P2P لتنزيل محتوى الموسيقى الرقمية الذي لم يتمكنوا غالباً من العثور عليه عبر مواقع الإنترنت.

وكان رد فعل الصناعة عنيفاً، إذ شارك غالبية منتجي المحتوى في حملة قانونية واسعة النطاق لمقاضاة من يتداول المواد المقرصنة، من الأطفال وحتى كبار السن وربات البيوت، وذلك على أمل إيقاف تلك الممارسات، لكن هذه الحملة لم تنجح، فعلى الرغم من إنفاق أكثر من 17 مليون دولار عليها، إلا أن الصناعة حصلت على أقل من 400 ألف دولار من الغرامات الفعلية، بالإضافة إلى ذلك لم توقف الدعاوى القضائية عمليات القرصنة التي اتسع نطاقها.

أما التغيير الجوهري الأول فى هذا الصراع فقد حدث مع إطلاق خدمات «سبوتفاي» فى 2011، إذ حققت الخدمة نجاحاً كبيراً وانتشاراً واسعاً مع سهولة الاستخدام، وكان لديها مكتبة واسعة من الأغاني، بالإضافة إلى تكاليف استخدام معقولة للغاية، وهذه المميزات اجتذبت العديد من القراصنة السابقين الذين وجدوا أن الاشتراك أفضل بكثير من بذل الجهد في عمليات قرصنة المحتوى.

«سوبا» و«ريبا»

لكن أبرز محاولات صناعة الترفيه لوقف القرصنة خلال العقد الماضي، كانت من خلال قانوني «وقف القرصنة على الإنترنت» SOPA و«حماية الملكية الفكرية» RIPA، وهما التشريعان اللذان كانا بشكل أو بآخر قادرين على فرض رقابة واسعة على شبكة الإنترنت. وكان رد فعل المستخدمين عنيفاً أيضاً ضد هذه القوانين لدرجة وصلت إلى مظاهرة إلكترونية احتجاجية واسعة النطاق عبر معظم مواقع الإنترنت في أوائل عام 2012.

ويقول الخبير فى حقوق الطبع والنشر مايك ماسينك، في تصريحات إعلامية، إن الرفض الواسع لمشروعي القانونين كان هائلاً، وأظهر أن هوليوود لا يمكنها أن تستمر فى الصراخ بوجه هيئات التشريع بكلمة «قراصنة» فيقوم الكونغرس بفعل كل ما يُطلب منه لتوسيع نطاق القوانين. مؤكداً أنه في العقود الثلاثة التي سبقت صدور قانون SOPA أصدر الكونغرس الأمريكي 15 قانوناً جديداً لـ«مكافحة القرصنة» لم تتمكن جميعها من الإيقاف الفعلي لتلك العمليات، لكنها جميعاً منحت استوديوهات هوليوود قدرات أكبر في السيطرة والتحكم، وأن الرفض الواضح للقانونين الأخيرين أظهر أن الجمهور لم يعد مستعداً لقبول الأحاديث الغامضة حول «القرصنة» كذريعة للمزيد من التحكم فى شبكة الإنترنت.

«الضربات الست»

أيضاً كان حجر الزاوية الرئيس لحرب صناعة الترفيه على القرصنة هو نظام تنبيه حقوق الملكية الفكرية CAS، وتم إطلاق هذا المشروع للمرة الأولى فى فبراير 2013، إذ كان المشروع جهداً مشتركاً بين صناعة الترفيه ومقدمي خدمات الإنترنت بهدف إخافة القائمين على عمليات القرصنة بسلسلة متزايدة من التحذيرات والعقوبات.

يحمل هذا القانون اسماً حركياً وهو «الضربات الست»، وتراوح عقوبات المتهمين بالقرصنة بين تقليل سرعة الاتصال بالإنترنت وإيقاف الاتصال بسرعة النطاق العريض وحتى الالتزام بقراءة مواد تعليمية حول حقوق النشر، ولا يتضمن هذا القانون أي إجراءات يمكن اتخاذها للتحقق من ادعاءات الصناعة بالقرصنة، والمثير أن المستخدم الذى كان يرغب في الاحتجاج على أى إجراء ضده كان عليه أن يدفع 35 دولاراً لتقديم الاحتجاج.

وعلى الرغم من حديث صناعة الترفيه أن هذا القانون أسهم كثيراً في تقليل علميات القرصنة، إلا أن المشروع بأكمله تم إيقافه عام 2017 دون أي دليل على الإطلاق على تحقيق أي تقدم، ورغم إيقافه إلا أن مزودي خدمات الإنترنت اضطروا لاتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد القراصنة، خاصة بعد قيام منتجي المحتوى بمقاضاة عدد من مزودي خدمات الإنترنت، الأمر الذي وصل ببعض شركات الاتصالات مثل AT&T إلى طرد المستخدمين من الإنترنت تماماً بسبب عمليات القرصنة.