الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الروس قادمون

الروس قادمون

مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تزداد المخاوف من محاولات التدخل والتأثير في نتائج تلك الانتخابات من خلال الشبكات الاجتماعية والتلاعب بالمعلومات، أو محاولة اختراق آليات التصويت الإلكترونية، أو حتى التلاعب في أنظمة احتساب الأصوات، وهذه المخاوف تجد صدى على أرض الواقع الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود بين شركات التقنية بشكل عام وكذا العمل الجاد من الجهات الأمنية لضمان أن تخرج الانتخابات دون تلاعب.

كشفت وكالة «رويترز» للأنباء، الأسبوع الماضي، أن شركة «مايكروسوفت» حذرت إحدى المؤسسات الاستشارية التي تعمل مع حملة المرشح الديمقراطي للرئاسة «جو بايدن» من محاولات لاستهدافها على يد قراصنة روس مدعومين من بعض أجهزة الدولة، وقالت المصادر التي تحدثت للوكالة إن محاولات القرصنة استهدفت مجموعة موظفين في شركة الاستراتيجيات والاتصالات التي تعمل مع حملة «بايدن» وعدداً من الشخصيات الديمقراطية البارزة.

وتمكنت مايكروسوفت، من تحديد هوية مجموعة القراصنة المشتبه في تنفيذهم الهجوم، باعتبارهم نفس المجموعة التي عملت قبل ذلك على استهداف «هيلاري كلينتون» المرشحة السابقة للرئاسة، وتسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها، ويعتقد على نطاق واسع أن تلك المجموعة التي يطلق عليها الكثير من الباحثين اسم «الدب المزخرف» تخضع لسيطرة وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، وذلك وفقاً للتقارير التي أصدرتها الاستخبارات الأمريكية بعد التحقيقات التي تمت في أعقاب انتخابات 2016.

شركة الاستشارات التي تعرضت لمحاولة الاختراق أكدت أن المتسللين فشلوا في الوصول إلى شبكات وخوادم تتمتع بحماية قوية، خاصة بعد التحذيرات التي أطلقتها المخابرات الأمريكية بشأن محاولات بعض الدول الأجنبية التدخل في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي المقابل، نفى ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، هذه الاتهامات ووصفها بأنها «هراء»، كما نفت روسيا مراراً وتكراراً استخدام أساليب القرصنة للتدخل في انتخابات دول أخرى.

مايكروسوفت قامت بتحليل نوعية الهجمات الإلكترونية، وأكدت أنها تنتمي لنوعية حملات «التصيد» و«الاحتيال» التي يتم استخدامها على نطاق متزايد وهي ترتكز على محاولة خداع المستخدم للكشف عن كلمات المرور السرية، ثم استخدام تلك الرموز بعد ذلك في محاولة اقتحام الشبكات، كما توصلت الشركة للمجموعة المسؤولة عن الهجمات عن طريق تحليل الأسلوب والأدوات والبنية التحتية التي انطلقت منها محاولات الاختراق.

الكشف الأخير لشركة البرمجيات يأتي متسقاً مع الأدوار المتزايدة التي تلعبها الشركة خلال الفترة الأخيرة في مواجهة التجسس الإلكتروني المدعوم من بعض الدول الخارجية، وضمن هذه الجهود أطلقت الشركة مبادرتها للدفاع عن الديمقراطية والتي تهدف في قلب أنشطتها إلى حماية الحملات الانتخابية من محاولات الاختراق أو التلاعب.

ورغم أهمية الكشف الذي أعلنته مايكروسوفت، إلا أن التقرير الذي قدمته أجهزة الاستخبارات الأمريكية الشهر الماضي للكونغرس وفق ما نشرته جريدة «نيويورك تايمز» يعتبر أقوى اعتراف رسمي بمحاولات التأثير على الانتخابات المقبلة والتلاعب بها، واعترف التقييم الاستخباراتي الرسمي بأن روسيا تستخدم مجموعة مختلفة من الأساليب الإلكترونية لتشويه سمعة «بايدن» كما أنها تحاول التدخل في معركة انتخابات 2020 لمساعدة الرئيس ترامب، ولكن نفس التقرير أيضاً ذكر أن هناك محاولات أجنبية أخرى للتأثير على الانتخابات يأتي أبرزها من الصين التي قال التقرير إنها تفضل خسارة ترامب وإن كانت لم تتخذ إجراءات عدوانية لتنفيذ هذه الرغبة.

التقييم الاستخباراتي الذي صدر في بيان بتوقيع «ويليام إيفانيانا» مدير المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن، أكد أن مجتمع الاستخبارات يتحرك بحذر شديد في رصد وكشف هذه التحركات نتيجة التوتر السياسي وحساسية المنافسة الانتخابية. التقرير لم يعجب الأطراف السياسية المتصارعة، حيث اعترض البيت الأبيض على الاستنتاجات التي تقول إن موسكو تعمل على مساعدة ترامب، بينما أعرب الديمقراطيون في الكونغرس عن قلقهم من محاولة أجهزة الاستخبارات موازنة الكفة السياسية بتقديم الصين باعتبارها تعمل ضد ترامب.

المثير للدهشة، أن التقرير الاستخباراتي، أشار أيضاً إلى رصد محاولات إيرانية لـ«تقويض المؤسسات الديمقراطية الأمريكية والرئيس ترامب» قبل الانتخابات العامة، وهذه الاستخلاصات أثارت غضب القيادات الديمقراطية لدرجة أن نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، وآدم شيف رئيس لجنة المخابرات أصدرا بياناً مشتركاً قالا فيه: «الاستخبارات تعامل 3 فاعلين ذوي نوايا وقدرات مختلفة تماماً وكأنهم تهديدات متساوية الخطر للانتخابات».

ورغم أن التقارير الاستخباراتية أثبتت وجود تدخلات في انتخابات 2016، إلا أن «إيفانيانا» أكد في التقرير الجديد أنه سيكون من الصعب تماماً على أي دولة خارجية أن تتلاعب بنتائج التصويت على نطاق واسع، ولكن المخاوف الأساسية تتعلق باتخاذ هذه الهجمات شكلاً يهدف إلى «التشكيك في صحة نتائج الانتخابات». وقال إيفانيانا في بيان صحفي: قبل الانتخابات الأمريكية لعام 2020، سوف تستمر الدول الأجنبية في استخدام محاولات سرية وعلنية للتأثير على تفضيلات ووجهات نظر الناخب الأمريكي، وزيادة الخلافات داخل الولايات المتحدة، وتقويض ثقة الشعب الأمريكي في العملية الانتخابية.

الشبكات الاجتماعية وحملات التضليل المعلوماتي هي الأخرى ملعب كبير للتأثير في نتائج الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي يسبب المزيد من الضغوط على منصات التواصل الاجتماعي ويدفعها لبذل المزيد من الجهد للسيطرة على الأنشطة المشبوهة في فترة الدعاية الانتخابية والاستعداد للتصويت، وضمن هذا الجهد أعلنت شركتا فيسبوك وتويتر أن هناك أدلة على أن إحدى المجموعات الروسية التي تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2016، قد عادت للنشاط من جديد من خلال شبكة معقدة من الحسابات المزيفة وموقع إلكتروني يساعد على نشر الأكاذيب وتغيير اتجاهات الناخبين.

النشاط الجديد لهذه المجموعة المعروفة باسم «وكالة أبحاث الإنترنت»، يعتمد بالأساس على إطلاق حملات تضليل ونشر معلومات زائفة، ويأتي الكشف الأخير كأول دليل علني على أن هذه المجموعة تحاول تكرار عمليات التلاعب ودفع الناخبين بعيداً عن أحد المرشحين لمساعدة الآخر في الفوز بالانتخابات.

وخلال الشهور الماضية، حذرت وكالات الاستخبارات من أن روسيا ودولاً أخرى تحاول جاهدة التدخل في الانتخابات المقبلة، وأن العديد من وكالات الاستخبارات الروسية تعمل على تغذية نظريات المؤامرة المغرقة في الخيال والتلاعب في أفكار المواطنين وذلك عبر العشرات من المواقع الهامشية وشبكات التواصل الاجتماعي.

الجديد هنا أن فيسبوك وتويتر تقدمان أدلة عملية على محاولات التدخل، في محاولة لتغيير الصورة السلبية عن بطء استجابة الشركتين لمواجهة حملات التضليل واسعة النطاق التي تم تنفيذها باستخدام خدمات المنصتين خلال عام 2016، خاصة أن الانتقادات لم تتوقف حتى اليوم الأمر الذي دفع الشركتين للعمل مبكراً وإعلان أنهما قامتا بالفعل بتحذير مكتب التحقيقات الفيدرالي من النشاط الأخير المشبوه.

ومن المؤكد أن عمليات التلاعب لم تصل حتى الآن إلى جمهور كبير مثلما حدث من نفس المجموعة عام 2016، ولكن الحملة الجديدة تبدو أكثر ذكاء حيث تمارس ما يمكن أن نطلق عليه «غسيل المعلومات» والتي تنطلق من موقع يبدو في شكله العام كأنه وكالة إخبارية شرعية، بل إنه يقوم باستكتاب مجموعة من الأمريكيين الحقيقيين، ووسط الواجهة التي تبدو بريئة يتم إنتاج عشرات الموضوعات التي تتلاعب بالمعلومات وتنشر الأكاذيب حيث يتم ترويجها عبر مجموعة واسعة من الشبكات الوسيطة.

الطريف أن الحكومة الأمريكية لم تدخر جهداً في محاولة إغلاق الثغرات أمام التلاعب في الانتخابات، للدرجة التي جعلت وزارة الخارجية تعلن عن جائزة مقدارها 10 ملايين دولار لمن يكشف عن معلومات تتعلق بمحاولات اختراق أنظمة التصويت الإلكترونية، وقامت بالترويج لهذه الجائزة من خلال حملة ضخمة لاستخدام رسائل الهاتف المحمول في الدول المتهمة بمحاولة التلاعب وأبرزها روسيا وإيران.

المحاولة الأمريكية المبتكرة أثارت غضب روسيا التي اعتبرتها محاولة عقيمة، بينما سخرت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الحكومة الروسية من الرسالة التي ظهرت على الهواتف المحمولة لمواطنيها، وتوقعت ألّا تؤدي إلى أي نتيجة. وكتبت عبر فيسبوك: «دعوة المواطنين للإبلاغ مقابل الأموال تعني أن الولايات المتحدة تتدخل في حياة الروس».

أما في إيران فقد قوبلت الرسائل بالدهشة، والسخرية الواسعة عبر التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تساءلت عن السلامة العقلية لصاحب هذه الفكرة، وأشار بعض الإيرانيين إلى أن العقوبات المالية على بلادهم ستجعل من الصعب عليهم تحصيل أي مكافأة مالية، بينما أشار آخرين إلى استعدادهم لتنفيذ الاختراق والإبلاغ عنه لتحصيل المكافأة!

وبين جهود الشركات التقنية والأجهزة الأمنية والهيئات الدبلوماسية يحاول الجميع تأمين الانتخابات المقبلة من عمليات التلاعب، ولكن الزمن وحده بإمكانه الإجابة عن مدى نجاح أو فشل هذه الجهود.