الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

كيف أغرق «كوفيد-19» العالم بالأكاذيب

كيف أغرق «كوفيد-19» العالم بالأكاذيب

انتشرت المعلومات المضللة خلال جائحة فيروس كورونا بشكل أسرع وأوسع من أي وقت مضى، ومنذ ظهوره في ديسمبر 2019، تجاوزت إصابات «كوفيد-19» 90 مليون شخص، وقتل ما يقارب من 2 مليون.

لقد كشف أيضاً عن إخفاقات كبيرة في طريقة استهلاكنا للمعلومات ومشاركتها. وفي قلب هذه المعركة يبرز دور منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر ويوتيوب، المنصات الرقمية الأكثر شعبية في العالم.

يشير أكسل برونز، باحث الوسائط الرقمية في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في أستراليا إلى أنه: «حصل انفجار في المعلومات الخاطئة والمضللة التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي».



لقد فشلت جهود شركات وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة في إدارة سيل المعلومات الخاطئة، وباتت نظريات مؤامرة فيروس كورونا تضرب كل ركن من أركان الويب، مدفوعة بمنشورات فيسبوك المسعورة والتغريدات القاتلة. وتعرض العلم الذي نعتمد عليه لمواجهة الوباء للتشويه في بعض الأحيان بسبب التقارير المتسرعة.


العلم

تسارعت وتيرة البحث العلمي بشكل كبير. لكن العلم بطيء ومنهجي ويصحح نفسه بنفسه. وتتكرر الدراسات عدة مرات قبل قبولها كحقيقة نهائية. وقد مكّنت المشاركة السريعة لنتائج دراسة «كوفيد-19»، والتقارير الإخبارية والبيانات الصحفية البحث الأولي من الانتشار أكثر من أي وقت مضى، حتى عندما يكون مضللاً أو خاطئاً. هذا النوع من العلم «ببساطة غير جاهز للاستهلاك في أوقات الذروة»، حسب ما ذكره غاري شويتزر، الصحفي الصحي ومؤسس موقع HealthNewsReview للرقابة الطبية على المستهلك.

سُحبت أكثر من 30 دراسة تتعلق بـ«كوفيد-19» في الأشهر العشرة الماضية. ولكن لم تسحب الدراسات الأخرى المثيرة للجدل، والتي يتضمن بعضها بيانات مشكوكاً فيها، وأبلغت قرارات الصحة العامة بشأن الوباء.

السياسة

سيطر عقار واحد على الخطاب المستقطب بشكل متزايد أثناء الجائحة: هيدروكسي كلوروكين. حيث روج لمضاد الملاريا هذا، المستخدم منذ أكثر من 50 عاماً، على نطاق واسع باعتباره علاجاً سريعاً لفيروس كورونا.

سلط الضوء على هيدروكسي كلوروكين عندما وصف الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب العقار بأنه يمتلك القدرة على أن يكون «أحد أكبر العوامل التي تغير قواعد اللعبة في تاريخ الطب». في وقت لاحق، في 18 مايو، اعترف بأنه كان يتحدث عنه كإجراء وقائي.

يؤكد جينوس يزداني، اختصاصي أمراض الروماتيزم في مستشفى زوكربيرج سان فرانسيسكو العام: «لدينا الكثير من التجارب التي تُظهر أنه لا يفيد في الوقاية من «كوفيد-19» أو علاجه». لكن هذا لم يعد مهماً فقد أصبح هيدروكسي كلو روكين أيديولوجية سياسية.

في يوليو 2020، روج مجموعة من الأطباء لهيدروكسي كلوروكين باعتباره علاجاً لـ«كوفيد-19» في بث مباشر على فيسبوك. أعاد ترامب نفسه تغريد مقطع قصير من حديث الأطباء، ونشرته حسابات موالية لترامب على شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك بسرعة أكبر.

أظهرت دراسة في مجلة Science Advances في يوليو «انقساماً حزبياً كبيراً» في كيفية التعامل مع الوباء من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على تويتر. قلل ترامب علناً من أهمية الحاجة إلى أقنعة الوجه، على سبيل المثال، بينما حرص العديد من الديمقراطيين البارزين على ارتدائها في الأماكن العامة.

وضعت الأجندات السياسية فوق اهتمامات الصحة العامة. كانت المعلومات المضللة منتشرة، وفي بعض الأحيان كانت تستخدم للخداع والتشويش. وسهّلت وسائل التواصل الاجتماعي نشر هذا الارتباك.

الممارسات الضارة

من المستحيل تحديد جانب واحد من الوباء كسبب جذري لعلاقتنا المضطربة مع الحقيقة. ساعدت وسائل الإعلام التقليدية في نشر بعض من أكثر نظريات المؤامرة فظاعة، واستقطبت المنافذ المتطرفة الخطاب العام، وألقي اللوم على الرئيس ترامب نفسه باعتباره السبب الرئيسي للتضليل الصحي أثناء الوباء.

في 30 يوليو، اقترح مركز بيو للأبحاث أن البالغين الأمريكيين الذين يتلقون أخبارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي هم أكثر عرضة لمزاعم ومؤامرات غير مثبتة، ويقل احتمال حصولهم على الحقائق الصحيحة حول فيروس كورونا. هذا مقلق عندما تنظر إلى أبحاث بيو الأخرى التي تظهر أن 26% من البالغين في الولايات المتحدة يعتبرون اليوتيوب مصدراً مهماً للأخبار.

يؤكد شويتسر، محرر HealthNewsReview: «أن عدم قدرة أو رفض بعض عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت فرض الرقابة الكافية على الممارسات الضارة يعد مشكلة مستمرة وخطيرة».

لا يقوم فيسبوك بإزالة المحتوى الخاطئ أو المضلل بشكل نشط ما لم يتسبب في ضرر جسدي فوري، أو ينبه المستخدمين عبر تسميات توضح أن المحتوى زائف.

وذكرت متحدثة باسم فيسبوك أن الشركة أزالت نحو 7 ملايين منشور، ووصفت 98 مليوناً بأنها مضللة منذ بداية الوباء. وأكد موقع تويتر أنه مستمر في استكشاف طرق الإبلاغ عن محتوى صحي مضلل، وأنه ينشر تحذيرات يجب على المستخدمين النقر عليها إذا كانوا يرغبون في إعادة مشاركة المعلومات التي تعتبر مضللة.

في عالم خالٍ من وسائل التواصل الاجتماعي

أشار الكثيرون إلى الآثار الإيجابية التي أحدثها فيسبوك وتويتر ويوتيوب على التواصل. تشير سورا بارك، باحثة الوسائط الرقمية في جامعة كانبيرا في أستراليا إلى أنه: «لم يسبق في التاريخ أن كان الناس على دراية بهذا القدر من المعرفة».

أظهر بحث بارك أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكونوا متشككين للغاية فيما يشاهدونه على الإنترنت. في استطلاع أجري في أبريل الفائت على أكثر من 2000 أسترالي تبلغ أعمارهم 18 عاماً أو أكثر، تبين أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي كانوا أكثر عرضة لإجراء «أنشطة تحقق»، بما في ذلك استخدام موقع إلكتروني للتحقق من الحقائق أو استخدام مصادر إخبارية معروفة. ومع ذلك، كانوا أكثر عرضة لتبادل المعلومات المضللة وإرسالها لأشخاص آخرين، ما أدى إلى زيادة انتشارها.

سرعة الكذب

هناك تضارب واضح في المصالح بالنسبة لعمالقة وسائل التواصل الاجتماعي. هناك مسؤولية أخلاقية واجتماعية للتعامل مع المعلومات الخاطئة، لكن نماذج أعمالهم تهدف إلى اصطياد المستخدمين في دوامة التمرير، والانخراط في المنشور بعد النشر: الإعجاب، وإعادة التغريد، والتفاعل، ومشاركة المحتوى إلى ما لا نهاية.

المعلومات المضللة هي مشكلة معقدة تتخطى العديد من التخصصات، من البحث الرقمي إلى السلوك البشري وعلم النفس. وكما هو الحال مع جائحة كورونا نفسها، لا يوجد حل بسيط.

يدرك الباحثون الحاجة الملحة لتحصين أنفسنا ضد المعلومات المضللة. يجب على عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي استخدام منصاتهم لمساعدة المستخدمين على فصل الحقيقة عن الخيال.