الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

جيل جديد من الـ«واي فاي»

عندما ضرب وباء كورونا العالم، انقلبت حياة الأغلبية الساحقة رأساً على عقب، واضطر الملايين للبقاء في المنزل، وتحويل العمل والهوايات إلى شبكة الإنترنت، وتم استبدال اجتماعات المكاتب، وفصول الدراسة بمكالمات الفيديو، وزادت معدلات استهلاك مواد نتفليكس الترفيهية وألعاب الأونلاين والتسوق الإلكتروني. وكانت النتيجة المحتومة هي ازدحام واختناق شبكات «واي فاي» المنزلية التي تحولت إلى صداع دائم ومستمر لجميع المستخدمين.

ولكن الحل لهذه الأزمة ظهر في الأفق مع جيل جديد من شبكات «واي فاي» يحمل اسم Wi-Fi 6 يتميز بالتعامل مع سرعات أعلى ومساحة تغطية أوسع. ولكن أهم نقطة هي تحسن أداء الشبكة اللاسلكية في مشاركة البيانات وتوزيعها بكفاءة عبر عدد كبير من الأجهزة مثل الهواتف، والتابلت، وأجهزة الكمبيوتر وحتى أجهزة التلفزيون الذكية.

ظهرت شبكات Wi-Fi6 للمرة الأولى عام 2018، ولكنها وصلت للاستخدام الجماهيري هذا العام فقط، عندما أصبحت كلفتها مقبولة، مع توافر أجهزة التشغيل بأسعار في حدود 70 دولاراً، وإتاحتها على المستوى الأوسع مع شركات تزويد خدمات الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك تتضمن العديد من أجهزة الهاتف المحمول الذكية، وأجهزة الكمبيوتر الحديثة شرائح متطورة تساعد على الاستفادة من تلك التقنية.



وعلى الرغم من أن سرعة Wi Fi 6 الافتراضية هي 3 أضعاف سرعة الجيل الأقدم، إلا أن المسألة لا تتعلق فقط بالسرعة، حيث تقدم هذه الشبكة بعض التقنيات الجديدة للمساعدة في مشكلات اختناق الشبكة، حيث تستطيع أجهزة التوجيه «الراوتر» الاتصال بعدد أكبر من الأجهزة، كما يمكن للراوتر أن يرسل البيانات إلى أجهزة متعددة من خلال البث نفسه، بالإضافة إلى جدولة عمليات تسجيل الوصول، وهي العناصر التي بمقدورها أن تحافظ على قوة الاتصالات حتى مع زيادة طلب الأجهزة المختلفة للبيانات.


بالإضافة إلى ذلك، تمتلك هذه الشبكات ميزة إضافية، وهي بروتوكولات التأمين والحماية الأكثر تطوراً، والتي تجعل من الصعب للغاية على المخترقين أن يتسللوا إليها، وذلك بالمقارنة مع أجيال الشبكات الأقدم.

وللاستفادة من هذه التكنولوجيا الجديدة سوف يحتاج المستخدم لشراء أجهزة جديدة، وهو ما يعني الحصول على أجهزة كمبيوتر أو موبايل بشرائح جاهزة للتعامل مع شبكات الجيل الجديد، بطبيعة الأمر لن يقوم الإنسان بشراء جهاز جديد للاستفادة من تلك الشبكات فقط، ولكن السائد في هذه الحالة أن الأجهزة الحديثة تأتي مجهزة للتعامل مع الشبكة الحديثة، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون جميع الأجهزة خلال السنوات الخمس المقبلة مؤهلة للعمل على شبكات Wi Fi 6.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يمتلك المستخدم جهاز «راوتر» يدعم هذه التقنية، وبدون هذه القطعة لا يمكن الاستفادة من تحديث الشبكة، ولكن الجانب الإيجابي أن السوق يشهد الآن الكثير من هذه الأجهزة والتي أصبحت أسعارها أقل بكثير مقارنة بعام مضى.

ولكن، كيف تعمل هذه التكنولوجيا بالضبط؟ تخيل مجموعة من السيارات تتحرك على الطريق، في الوضع التقليدي تتحرك هذه السيارات -التي تمثل الأجهزة الناقلة للبيانات- في مسار واحد. والجهاز الإلكتروني الذي يستغرق وقتاً طويلاً لإكمال مهمة تحميل البيانات الثقيلة يشبه الحركة البطيئة للسيارة على الطريق الضيق والتي تجبر كل السيارات خلفه على استخدام المكابح.

ولكن الشبكات الجديدة تقلل الازدحام عن طريق إعادة توجيه حركة المرور، حيث يوجد الآن العديد من الممرات، الممر السريع الذي تتعامل من خلاله الأجهزة الأحدث والأسرع، والممر البطيء للأجهزة الأقدم والأبطأ. وأشار ديفيد هنري، نائب رئيس شركة «نت جير» لأجهزة الشبكات بالقول: «يمكن أن تكون تقنية Wi Fi 6 أكثر فاعلية في الحصول على المزيد من السيارات التي تتحرك بشكل أسرع على الطريق».

التأثير الواضح لجودة الشبكة اللاسلكية الجديدة يظهر في الأماكن التي يتم فيها تشغيل عدد كبير من الأجهزة في وقت واحد، ورغم ذلك فإن المستخدم العادي سيلاحظ الفارق أيضاً، خاصة أن المنازل المتوسطة الآن تمتلك ما يقرب من 10 أجهزة متصلة بالإنترنت في المتوسط.

ويرى الرئيس التنفيذي لشركة إيكرو المصنعة لأجهزة الراوتر، نك ويفر، أن فائدة تقليل الازدحام من شبكات Wi Fi 6 ستكون أكثر وضوحاً في بيئات العمل الواسعة، مثل المكاتب التي تضم المئات من الأجهزة المتصلة بالإنترنت، والتي تنفذ العديد من مهام تبادل البيانات الثقيلة في وقت واحد، وأن استخدام هذه التكنولوجيا في المنزل أقل أهمية.

إلّا أن كيرتي ميلكوتي مؤسس شركة حلول للشبكات اللاسلكية، يقول إن مشكلة الاستفادة من هذه التكنولوجيا في المنازل تتعلق أساساً بأن غالبية الأجهزة الحالية في المنزل غير متوافقة مع معايير الشبكة الجديدة، وأنها ستحتاج إلى إضافة بعض الشرائح المتطورة للدخول على شبكة من هذا النوع، وهو الأمر الذي يقلل الاستفادة منها منزلياً، ويقدر ميلكوتي أن نسبة الأجهزة المنزلية الجاهزة لاستخدام هذا النوع من الشبكات لا تتجاوز 25% في الوقت الحالي.

التجارب التي تتم داخل المنازل للتأكد من كفاءة عمل هذه الشبكات تثبت أنها قادرة على تحسين استخدام جميع الأجهزة المتصلة بالإنترنت، على سبيل المثال، أكدت إحدى التجارب أن سماعات أمازون أصبحت أسرع وأسهل في الاستجابة، كما أن تنفيذ المساعد الشخصي مثل أليكسا للأوامر الصوتية أصبح أسرع بدرجة ملحوظة، بالإضافة إلى التحسن الواضح في مكالمات الفيديو التي يزيد الاعتماد عليها بشكل ملحوظ هذه الأيام.

ويرى الخبراء، أن استخدام هذا النوع المتطور من الشبكات هو استثمار مطلوب على المدى الطويل، فكلما زاد استخدام عدد الأجهزة المنزلية المرتبطة بالإنترنت، زادت الاختناقات وبرزت الحاجة إلى حلول، وهو الأمر الذي يعلق عليه ميلكوتي بالقول: «الأمر سيحتاج إلى بعض الوقت، ولكن التحسن سيكون ملحوظاً».