الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كيف تشكل نتفليكس الثقافة الشعبية؟

بحلول عام 2019، تحولت شبكة نتفليكس إلى عنصر أساسي في حياة البشر، في ذلك الوقت كانت الشبكة تمتلك 167 مليون مشترك عالمياً، كما قامت حينها بإنتاج العديد من المسلسلات والأفلام التي تجاوزت النجاح التجاري الواسع لتتحول إلى جزء من بنية الثقافة الشعبية السائدة. ومع ذلك كان عام 2020 مختلفاً تماماً في مستوى تأثير الشبكة العالمية، فمع انتشار جائحة كورونا وبقاء غالبية المواطنين داخل منازلهم بسبب الإغلاق العام، تحولت نتفليكس من مصدر للترفيه إلى ما يشبه غرفة الهروب التي يستقر بها غالبية البشر.

خلال هذا العام الاستثنائي، نجحت نتفليكس في إضافة ما يزيد على 36 مليون مشترك جديد، وتجاوز عدد مشتركيها أكثر من 200 مليون شخص على مستوى العالم، وأدت أرقام النمو غير المسبوقة إلى تعميق تأثير المنصة على مشهد الثقافة السائدة.


تثبت الأرقام بوضوح، أن الموضوعات والقضايا التي تتناولها نتفليكس في عروضها الناجحة، تتحول إلى مثار اهتمام واسع النطاق مع حوارات بين الجمهور عن تلك القضية على المستوى العالمي، وهو ما ظهر في تقرير أصدرته منصة «بولسار» المتخصصة في رصد اهتمامات الجمهور، وأكد التقرير مدى عمق التأثير في الثقافة السائدة التي تحظى بها نتفليكس الآن.



فعلى سبيل المثال، عندما بدأ عرض فيلم «المعضلة الاجتماعية The Social Dilemma»، والذي ينتمي لنوعية الدراما الوثائقية، هبط الفيلم كالقنبلة على رأس شركة «فيسبوك». الفيلم الذي رصد الأساليب المستخدمة من منصات الشبكات الاجتماعية في هندسة سلوك المستخدم، تسبب وحده في مغادرة الآلاف من المستخدمين لمنصة فيسبوك، ويرصد تقرير «بولسار» أنه بمجرد عرض الفيلم في سبتمبر الماضي، زادت بشكل واضح معدلات البحث عن أساليب حذف تطبيقات الشبكات الاجتماعية، كما دارت الآلاف من الحوارات المعادية للشبكات الاجتماعية وتأثيرها على المستخدم.


تضمن الفيلم العديد من المقابلات مع موظفين سابقين في منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، الذين تم تكليفهم أثناء العمل بتطوير أساليب جديدة لإبقاء المستخدمين مرتبطين بالمنصات. وشهد الحوار الذي انطلق بعد عرض الفيلم تعهد عدد كبير من المستخدمين بحذف حساباتهم عبر هذه المنصات، في الوقت الذي انتقد فيه البعض إلقاء اللوم على الشركات فقط، ولكن المحور المهم في الموضوع هو انتقال الحديث حول حماية خصوصية وبيانات المستخدم من نطاق المتخصصين إلى الإطار العام بتأثير فيلم واحد.

مثال آخر يوضح تأثير نتفليكس على الثقافة العامة، ما حدث عند عرض مسلسل «ملك النمور Tiger King» الوثائقي والذي بدأ عرضه على المنصة في مارس الماضي، ليحطم الأرقام القياسية باعتباره العرض الأكثر مشاهدة على المنصة لأطول فترة زمنية.

سلط العمل الوثائقي الضوء على قضية تربية النمور والاتجار بها بالطرق غير القانونية، انطلاقاً من أرقام تؤكد أن عدد النمور التي تعيش داخل الولايات المتحدة أكثر من التي تعيش في البرية على مستوى العالم، وأن نسبة 6% فقط من هذه النمور تعيش داخل حدائق الحيوانات الشرعية، ما يعني أن غالبيتها مملوك للقطاع الخاص وبأشكال غير قانونية.

وتظهر بيانات «بولسار» أن البحث والاهتمام بعالم «القطط الكبيرة» قد ارتفع بشكل ملحوظ خلال الشهر الأول الذي تم فيه بث العرض، وعلى مدار الأسابيع التالية ظل الجمهور محافظاً على اهتمام أعلى من المتوسط بعالم الحيوانات المفترسة.

أما سلسلة «الرقصة الأخيرة The Last Dance» التي بدأ عرضها في أبريل الماضي، فقد تحولت سريعاً إلى الحلقات الأكثر طلباً في العالم بحلول شهر مايو وفقاً لأرقام وكالة «بلومبيرغ»، هذه السلسة ترصد مسيرة لاعب السلة مايكل جوردان من لحظاته الخالدة في الملعب وحتى ولعه بالتنمر والمنافسة مع اللاعبين وإدمان القمار والمشاكل الشخصية الأخرى التي جاءت مع الشهرة الكبيرة.

وبالنسبة للاعب لم يظهر في عناوين الإعلام منذ التسعينيات، حدثت طفرة هائلة في المعلومات الخاصة به، مع انتشار الحوارات والمناقشات حول اللاعب ومسيرته على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة تويتر، وحصدت الحلقة الأخيرة وحدها ما يقرب من مليون تغريدة، ووصل الأمر إلى أن 20 من بين أكثر 30 موضوعاً شائعاً على الشبكات الاجتماعية كانت مرتبطة بالمسلسل الوثائقي.

ولم يتوقف الأمر عند اللاعب أو حياته فقط، حيث اتسع الحوار والنقاش ليشمل العديد من الموضوعات، بداية من منافسته مع اللاعب ليبرون إلى الحوار حول أفضل أحذية رياضية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى آلاف «الميمز» والتعليقات، وتحول جوردان إلى أكثر شخص يتم ذكره على تويتر. الأكثر من ذلك أن الحوار العام تجاوز مشجعي كرة السلة والولايات المتحدة والأجيال السنية المختلفة ليتداخل فيه مزيج من كل هذه الأطراف.

وربما يكون أحد أهم النماذج على تأثير نتفليكس على الثقافة الشعبية السائدة هو ما حدث منذ عرض مسلسل «مناورة الملكة The Queen's Gambit»، والذي يحكي قصة صعود فتاة يتيمة تمتلك مهارات استثنائية في الرياضيات وتحولها إلى أسطورة في لعبة الشطرنج التي يهيمن عليها الذكور بشكل عام، ووفقاً لإحصاءات المنصة فقد حقق المسلسل 62 مليون مشاهدة خلال الشهر الأول لإطلاقه، ووصل لقائمة العشر الأوائل في 92 دولة حول العالم.

لكن التأثير الأهم، هو الاندفاع العالمي الواضح نحو لعبة الشطرنج، حيث ارتفعت مبيعات اللعبة بشكل كبير في مختلف الأنحاء، بالإضافة إلى ما كشفت عنه بيانات «بولسار» من تزايد اهتمام الجمهور بكل جوانب اللعب وتاريخها وتكتيكاتها وأساليب الفوز بها، وهو الحوار الذي استمر على نطاق واسع عبر جميع المنصات الاجتماعية لفترة طويلة.