الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

«التزييف العميق» يصل إلى هوليوود

منذ سنوات قليلة، ظهر ما يسمى بتقنيات التزييف العميق deepfake التي تسمح بالتلاعب بالفيديوهات بطريقة غير مسبوقة لا يمكن التفرقة بينها وبين المقاطع الأصلية، وتعتمد هذه الآليات على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتتطور بسرعة هائلة؛ ما يثير الكثير من القلق من إساءة استخدامها، ولكن وسط التأثيرات السلبية لهذه التقنية، ظهر لها أيضاً عنصر إيجابي مهم، وهو ما تلقفته هوليوود بسعادة بالغة.



جاء التطور الإيجابي عن طريق شركة «فلولس» البريطانية التي طورت مؤخراً أحدث أساليب «دبلجة» الأفلام السينمائية. الشركة شارك في تأسيسها المخرج سكوت مان، وكان السبب في ذلك -كما يقول- أنه سئم رؤية دبلجة سيئة في أفلامه.

التكنولوجيا الجديدة المستخدمة في عملية الدبلجة، تسمح لممثل مثل روبرت دينيرو بقراءة حواره الشهير في فيلم «سائق التاكسي» بلغة ألمانية سليمة خالية من العيوب، مع حركات الوجه والشفاه الطبيعية، إذ يتلاعب برنامج الذكاء الاصطناعي بشفاه الممثل وتعبيرات وجهه بحيث تتطابق تماماً مع اللغة المنطوقة.

ويقول الخبراء إن هذه التكنولوجيا الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي بمقدورها إعادة تشكيل صناعة السينما بطرق جذابة ومقلقة في الوقت نفسه.

وترتبط هذه التقنية بما يسمى «التزييف العميق» الذي يستخدم حالياً للصق وجه شخص على جسد شخص آخر في مقاطع الفيديو، وإعادة استخدام هذه التكنولوجيا في الأعمال السينمائية يسمح للمخرجين بإنتاج نفس الفيلم بلغات مختلفة بشكل فعال للغاية، ما يجعل النسخ المدبلجة بهذه الطريقة أكثر تأثيراً للجمهور في البلدان المختلفة، وفى الوقت نفسه أكثر إخلاصاً للفيلم الأصلي.

ويحكي المخرج سكوت الموقف الذي دفعه للاتجاه إلى تلك التكنولوجيا الجديدة، حيث كان يشاهد نسخة أجنبية مدبلجة من فيلمه «سرقة» الذي قام ببطولته الممثل روبرت دي نيرو، وشعر بالغضب من تدمير الدبلجة عدداً من المشاهد المصممة بعناية، حيث تحتاج الدبلجة أحياناً لتغييرات كبيرة في الحوار المكتوب ليصبح أكثر توافقاً مع حركة الشفاه في النسخة المعدلة. وقال المخرج إنه شعر بالإحباط لأن التغيير في الكلمات والأداء يمكن أن يكون له تأثير كبير على الشخصية وعلى إيقاع الفيلم بأكمله.

بدأ مان في البحث عن الأعمال الأكاديمية التي تتعلق بتكنولوجيا التزييف العميق، الأمر الذي قاده إلى مشروع تجريبي يقوده كريستيان ثيوبالت الأستاذ في معهد ماكس بلانك للمعلوماتية في ألمانيا. تتضمن هذه الأبحاث أعمالاً أكثر تعقيداً من التزييف العميق التقليدي؛ مثل التقاط تعبيرات وجه وحركات الممثل في مشهد، بالإضافة إلى شخص يتحدث نفس الحوار بلغة أخرى. بعد ذلك يتم دمج هذه المعلومات لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد يدمج وجه ورأس الممثل مع حركات شفاه المتحدث باللغة الأخرى، وأخيراً يتم لصق هذه النتيجة رقمياً مع الممثل في أحد المشاهد.

وكانت النتيجة النهائية هي استلهام شركة فلولس أبحاث ثيوبالت في تقديم منتج تجاري قادر على أداء المهمة، وبعد تقديم مان مجموعة من المقاطع التجريبية التي يتحدث فيها توم كروز وجاك نيكلسون بالفرنسية في مشاهد فيلم «بعض الرجال الطيبين»، وكذلك توم هانكس وهو يتحدث الإسبانية واليابانية في مقاطع فيلم «فورست جامب»، يقوم مان حالياً بالتفاوض مع عدد من شركات هوليوود لإنشاء نسخ ناطقة بلغات أجنبية من عدة أفلام شهيرة. ويتوقع مان انتشار هذه الطريقة في وقت قريب للغاية.



وبالإضافة إلى عمليات الدبلجة، قال مان في تصريحات لمجلة «ويرد» إن الشركة تبحث أيضاً في الطريقة التي يمكن أن تساعد بها التكنولوجيا شركات الإنتاج على تجنب إعادة تصوير المشاهد المكلفة، والتي تحتاجها بعض الأفلام لتصوير مشاهد يقول فيها الممثل سطوراً جديدة من الحوار، ولكن في الوقت نفسه يعترف الرجل أن عدداً كبيراً من الممثلين يشعر بعدم الارتياح مع مشاهدة أساليب التلاعب بهم باستخدام الذكاء الاصطناعي، قائلاً: «هناك خوف وانبهار في الوقت نفسه، هذه ردود الفعل التي أتلقاها كل يوم».

ورغم هذه الإيجابيات، إلا أن التلاعب بالفيديو باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أمر مثير للجدل ولأسباب وجيهة، فمع انتشار برامج التزييف العميق المجانية، أصبح بالإمكان تبديل وجه شخص ما بسهولة فائقة داخل أحد مقاطع الفيديو، ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي المتلاحقة تصبح العملية أكثر إقناعاً يوماً بعد يوم، حيث تعمل هذه البرامج على تحديد النقاط الأساسية على وجه الشخص، ثم استخدام تقنيات تعلم الآلة لالتقاط أسلوب تحريك هذا الشخص وجهه.

وخلال السنوات القليلة الماضية، تم استغلال هذه التكنولوجيا لإنشاء مقاطع إباحية وهمية تستهدف المشاهير والنساء بشكل أساسي، وهو الأمر الذي يثير مخاوف خبراء التقنية خاصة عند استخدام هذه الأساليب غير الأخلاقية في مجالات الابتزاز والمساومة أو التأثير على نتائج الانتخابات والسياسة وغيرها.



ويرى دنكان آيرلند، المستشار العام لنقابة الممثلين في الولايات المتحدة، أن هناك استخدامات مشروعة وأخلاقية لهذه التكنولوجيا، ولكن أي استخدام للتكنولوجيا الجديدة يجب أن يتم فقط بموافقة الممثل الأصلي، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يحصل الممثلون على تعويض مالي مناسب.

وعلى الرغم من تزايد اهتمام استوديوهات هوليوود والمخرجين بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تعمل في إطار تقنيات التزييف العميق، إلا أن الأمر حالياً يحتاج لمجهود ضخم للتنفيذ، كما يقول هاو لي فنان المؤثرات البصرية المتخصص في معالجة الوجوه باستخدام التكنولوجيا الجديدة، إذ يحتاج الأمر إلى ساعات عديدة من المعالجة الخوارزمية لتنفيذ تعديل واحد، ولكن الأمر يتغير بسرعة، حيث يعمل لي حالياً باستخدام برنامج متطور للغاية يتيح للمخرج إجراء تعديلات ورؤيتها في الوقت الحقيقي، وهو ما يمثل ثورة جديدة في هذا المضمار.