الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حرب منصات «البث عبر الإنترنت»

حرب منصات «البث عبر الإنترنت»

بعد فترة من التكهنات والتحركات السرية، أعلنت شركة أمازون خلال الأسابيع الماضية أنها أبرمت بالفعل صفقة ضخمة تشتري بموجبها استوديوهات «مترو جولدوين ماير» الشهيرة للإنتاج والتوزيع السينمائي، موطن أفلام وشخصيات مثل جيمس بوند، وروكي، و«روب كوب»، وغيرها من السلاسل الناجحة، وذلك مقابل 8.45 مليار دولار، وتعتبر هذه العملية ثاني أضخم عملية استحواذ تقوم بها أمازون بعد شراء سلسلة «هول فودز» للبقالة عام 2017 مقابل 13.7 مليار دولار. ولكنها أحدث خطوة في مجال الصراع الضاري الذي يدور بين العمالقة في مجال البث المباشر عبر الإنترنت.

في الماضي غير البعيد، أي في حدود 2008، كانت شركات البث الناشئة تقدم في الأغلب الأعم محتوى من إنتاج استوديوهات وشركات أخرى مقابل مبلغ لترخيص البث، وكانت الأمور تسير دون مشاكل مع عدة مئات من الأفلام هنا، وآلاف الساعات التلفزيونية هناك، ولكن مع تطور ونمو هذه الشركات، بدأ اتجاه إنتاج شركات التوزيع الرقمي محتواها الخاص، الذي كان يعتبر الضمانة الوحيدة لنمو المشتركين وتحقيق الأرباح المادية.

كانت الريادة في هذا الاتجاه لشركة «نتفليكس» التي حققت نجاحاً مدوياً مع مسلسل «هاوس أوف كاردز»، وتلتها شركة أمازون الصاعدة وقدمت أعمالاً مثل «ترانسبيرنت»، وحتى هولو الأقل في الشعبية والمنافسة عرضت أعمالاً مثل «ذا هاند ميد تيل» والتي كانت بالأساس من إنتاج شركة مترو، وتطور الأمر بعد ذلك إلى دخول شركات البث الرقمي حلبة المنافسة على الجوائز العالمية للإنتاج الدرامي والسينمائي.



ولكن قواعد اللعبة تغيرت بشكل جذري مع دخول الاستوديوهات نفسها لعبة البث الرقمي، حيث أطلقت «ديزني» خدمتها الخاصة وبالتالي منعت كل المحتوي الذي تملكه عن المنافسين في خدمات البث، كما دخلت «بارامونت» المجال، وهنا وجدت شركات البث الأصلية نفسها في موقف تحتاج فيه إلى تكثيف المحتوى الخاص الذي تنتجه بعد أن سحبت غالبية شركات الإنتاج محتواها الترفيهي لعرضه على منصاتها الخاصة. ومع الخطوة الأخيرة لأمازون يدخل هذا الصراع منطقة جديدة تماماً مع استحواذ خدمات البث المباشرة على استوديوهات الإنتاج نفسها.


بشكل عام، يعتبر هذا التطور منطقياً، وليس من المستغرب أن تقوم أمازون بالخطوة الأولى، خاصة وأنها على عكس «نتفليكس» لم تقدم الكثير من المحتوى الأصلي الناجح، خاصة وأن نموذج عمل الشركة الأساسي لا يتعلق بالترفيه، بل بأنماط أخرى منها خدمات الحوسبة السحابية، ومتاجر التجزئة الضخمة، وسلاسل متاجر البقالة، وذلك على سبيل المثال، كما كان صافي دخلها أكثر من 21 مليار دولار في العام الماضي وحده.

ولذا كان من السهل على أمازون بعملية شراء استوديوهات «مترو» أن تستحوذ مباشرة على أكثر من 4000 فيلم، و17 ألف برنامج تلفزيوني جاهزة للعرض، بدلاً من محاولة إطلاق استوديو جديد بنفس القوة، خاصة مع تجربتها غير الناجحة في محاولة تطبيق فكرة الاستوديو الجديد مع ألعاب الفيديو. ولم تخف الشركة هذه الأسباب، بل قالتها بوضوح في البيان الرسمي للإعلان عن الصفقة عندما صرح مايك هوبكنز رئيس «برايم فيديو» بالقول: «القيمة الحقيقية وراء هذه الصفقة هي كنز الملكية الفكرية لأعمال مترو جولدوين ماير الكبيرة»، مشيراً إلى أن أمازون لديها خطط مشاريع مستقبلية لتطوير هذا الكتالوج من الأعمال الشهيرة.

ومع ذلك، يمكن لهذه الخطوة أن تشجع شركات البث الأخرى، والاستوديوهات الصغيرة على عقد صفقات خاصة بهم حتى لا يتم إخراجهم من السوق، وهذا يعني أن الخطوة المقبلة ربما تقدم عليها «نتفليكس» أو أن تقوم شركة «أبل» بإبرام صفقات مع استوديوهات مستقلة لتأمين إنتاج المحتوى بشكل مستمر، بدلاً من تنفيذ أعمال منفردة كما يحدث حالياً. وتقول سارة هينشل محللة البث المباشر في تصريحات صحفية: «هناك شيء يجب أن يتغير، سنرى المزيد من الصفقات أو عمليات الاستحواذ على الاستوديوهات الأصغر حجماً».

وفي سيناريو يختلف قليلاً، أعلنت شركة AT&T عملاق الاتصال الأمريكي، أنها تبحث دمج «وارنر ميديا» مع «ديسكفري»، ما يضع الشركة بشكل فعَّال وراء أفلام «دي سي كوميكس» وأعمال HBO تحت سقف واحد، ولا يعرف أحد بدقة كيف سيكون الاتجاه الجديد، إلا أنه سيكون شكلاً من أشكال دمج الوسائط المختلفة الذي يحدث الآن، والذي سيتضمن أيضاً شراء شركات إنتاج المحتوى، أو إبرام الصفقات مع الاستوديوهات، أو دمج الخدمات التي تمتلك الحقوق الفكرية لأعمال كبيرة، وبطريقة أخرى يرى الخبراء أن ما يحدث هو البحث والتطوير عن طريق الاندماج والاستحواذ.

إلا أن أمازون تتمتع أيضاً بميزة واضحة على منافسيها، وهي أن خدمات البث ليست مصدر دخلها الوحيد، كما أنها لا تركز بالأساس على عوائد الاشتراكات في خدمات البث، وتبقى خدمة «أمازون برايم» مكافأة إضافية للمستخدم الذي يدفع الأموال مقابل شحن البضائع، وفي حقيقة الأمر لا تحتاج أمازون إلى امتلاك أفضل مكتبة للأفلام والأعمال الدرامية المرموقة، ولكن كل ما تحتاجه هو منح العملاء سبباً إضافياً لعدم إلغاء الاشتراك، ويمكن أن يكون هذا السبب هو إضافة مجموعة أفلام جيمس بوند للمواد المتاحة، وهو الوضع الذي يختلف تماماً عن «نتفليكس» التي تحتاج إلى الاستمرار في تقديم الأعمال الجديدة منعاً لتعثر الأعمال، وتقول هنشل: «يمكن لأمازون أن تمر بمشاكل ومع ذلك تبقى على ما يرام إجمالاً، لأن لديهم الإيرادات والقدرة النقدية علي التجريب والاستثمار في المحتوى وتطوير استراتيجية طويلة الأجل، بينما تحتاج خدمات البث الأخرى إلى تحقيق الربح بأسرع ما يمكن».

شراء استوديوهات «مترو جولدوين ماير» ليس القرار الضخم الوحيد الذي اتخذته أمازون، حيث دفعت الشركة 250 مليون دولار من أجل الحصول على حقوق «سيد الخواتم» للإنتاج التلفزيوني، وستقوم بإنفاق مئات الملايين من الدولارات كل موسم لتقديم هذا المحتوى عبر خدمة «برايم فيديو»، ومثل أعمال جيمس بوند، فإن سلسلة «سيد الخواتم» لها ملايين المعجبين في أنحاء العالم الذين سيرحلون وراء شخصياتهم المفضلة إلى شبكة أمازون.

على الجانب الآخر، قامت «نتفليكس» بعدد قليل من عمليات الاستحواذ نفسها، حيث استحوذت على شركة «ميلر ورلد» لإنتاج أعمال الكوميكس عام 2017، وأبرمت صفقة شاملة مع مبدعي «ستوري بوتس» التي تركز على محتوى الأطفال عام 2019، وتستمر في استثماراتها الكبيرة في المحتوى الأصلي، إلا أن امتلاك شخصية مثل «جيمس بوند» لا يحدث بين عشية وضحاها، حيث يمكن أن تستغرق عقوداً لترسيخ وضعها في الخيال الشعبي، ومع تزايد تشتت الجمهور بين الخدمات المختلفة، سيكون من الأسهل كثيراً شراؤها بدلاً من صنعها.