السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين يمر عبر بلجيكا

وسط الصراع بين القوى العالمية الكبرى حول أشباه الموصلات، برز اسم مركز أبحاث غير واسع الشهرة ويعد أحد أسرار بلجيكا الخفية.

وخارج دوائر الصناعة العالمية، لا يتمتع مركز أبحاث رقاقات السيليكون إيميك IMEC بشهرة واسعة، إلا أن الأزمة الجديدة الذي أذكاها النقص الحاد في أشباه الموصلات لفتت الأنظار إليه، إذ بات يواجه طلباً عالمياً غير مسبوق بعد أن أصبحت أشباه الموصلات جزءاً من الصراع السياسي الدولي.

تشتهر مدينة لوفين البلجيكية التاريخية بجامعتها التي تعود إلى قرون وبدرجة أقل بأنها موقع لمركز أبحاث أشباه الموصلات «إنترويونيفرسيتي ميكروالكترونيكس»، أو إيميك IMIC، الذي تحول مؤخراً إلى محور للطلب العالمي على منتجات تحدد مستقبل رقائق الكمبيوتر وتطبيقاتها الواسعة بدءاً من تسلسل الجينوم إلى القيادة الذاتية للمركبات.



وأصبحت المدينة محط أنظار الحكومات إلى حد كبير بعد أن تحولت الرقائق إلى أسلحة سياسية تحرك النزاع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين.


أدى النقص الهائل في صناعة أشباه الموصلات أثناء الوباء إلى اندلاع صراع الوصول إلى الأبحاث المتقدمة حيث تسعى الولايات المتحدة والصين واليابان وأوروبا إلى زيادة الاعتماد على الذات في إنتاج أشباه الموصلات.

تتشاور المفوضية الأوروبية مع «إيميك» بشأن خططها لبناء قدرات صناعة رقائق أشباه الموصلات في القارة الأوروبية. وزار وفد وزاري كوري جنوبي هذا الشهر المركز البلجيكي. وذكر اسمه في مراجعة البيت الأبيض الشهر الماضي لسلسلة التوريد الأمريكية إلى جانب شركة ASML NV الهولندية التي تحتكر فعلياً الأجهزة اللازمة لصنع الرقائق الأكثر تقدماً.

وذكر الرئيس التنفيذي لوك فان دن هوف في مقابلة مع «بلومبيرغ»، أن الشركة «حازت على اهتمام أكبر من أي وقت مضى من قبل السياسيين المحليين والأوروبيين والأمريكيين، والسياسيين الصينيين كذلك، حيث زارنا رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ في أكتوبر 2018 وشدد على الفرص التجارية الهائلة للعمل مع أكبر سوق في العالم.

وانضمت شركة إيميك سابقاً إلى شركتي هواوي وكوالكوم لمساعدة أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين SMIC، من أجل إنشاء شركة بحث وتطوير. ولكن في غضون 8 أشهر من زيارة لي، أضافت وزارة التجارة الأمريكية هواوي إلى قائمة الحظر وتبع ذلك سلسلة من ضوابط التصدير التي تستهدف وصول الصين إلى تكنولوجيا الرقائق الأمريكية.

اليوم، تشارك إيميك في برنامج للمنح الدراسية لتمويل الباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراه من الصين. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلية، أصبحت في فبراير عضواً في جمعية صناعة أشباه الموصلات في بلدة ووكسي في مقاطعة جيانغسو المعروفة بإنتاج الرقائق.

وأجاب فان دن هوف عندما سُئل عن تدخل السياسة في الصناعة إبان زيارة لي: «إن إيميك تلتزم بشكل صارم بقواعد التصدير، وتلك التي تفرضها واشنطن»، وأصر على أن القدرة البحثية لإيميك لم تتضرر من الضغوط السياسية. «لكن علينا أيضاً أن نكون واقعيين وأن نواجه الحقائق التي تفيد بأن هذه التوترات الجيوسياسية آخذة في الازدياد حالياً».

تأسست Imec عام 1984، ولديها الآن نحو 4500 موظف بما فيهم طلاب البحوث. يأتي نحو 75% من التمويل من شركائها من بين عمالقة صناعة الرقائق الرئيسية، مثل شركة إنتل، وشركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، وشركة سامسونغ الكترونكس، وشركة أبلايد ماتيريال.

لطالما تمتعت بعلاقة رئيسية على مدار الـ30 عاماً الماضية مع شركة أيه. أس. أم. أل. ASML الهولندية عبر استخدام آلات الطباعة الضوئية الحجرية للشركة لتصبح مركزاً رائداً للبحث في مجال صناعة رقائق بميزات أصغر وأكثر قوة. وتشمل منشآتها خطاً تجريبياً بقيمة 3 مليارات دولار، والذي يسمح للباحثين بالعمل على صناعة الرقائق التي عادة ما تسبق جيلين إلى 3 أجيال من خط التصنيع الرائد الحالي. وعلى حين أن الشرائح الأكثر تقدماً في العالم تقاس بـ5 نانومتر، أو أجزاء من المليار من المتر، فإن شركة إيميك تعمل حالياً على 2 نانومتر وأقل.

تجري معاهد فراونهوفر الألمانية ونيتري الفرنسية أيضاً أبحاثاً حول الرقائق في أوروبا، بينما تستشهد TSMC بشركة أبحاث أشباه الموصلات الأمريكية كشريك إلى جانب إيميك.

وذكر بات غيلسنجر، الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، في مقابلة مع بلومبيرغ في مايو: "أوروبا لديها جوهرتان: الأولى ASML، رائدة الطباعة الحجرية الضوئية الأكثر تقدماً، والثانية إيميك رائدة أبحاث أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم".

ونشرت صحيفة دي تايجد الفلمنكية عام 2018 أن السلطات البلجيكية قامت بترحيل باحث صيني في إيميك للاشتباه في قيامه بالتجسس. وأكد فان دن هوف الخبر، مشيراً إلى أن الحادثة وقعت قبل ذلك بوقت. وأضاف: «هذه ليست المرة الأولى، لدينا حالات أخرى مع أشخاص آخرين لم يتصرفوا وفقاً لمدونة قواعد السلوك».

وتجري المملكة المتحدة الآن مراجعة للأمن القومي لاستحواذ شركة نيكسبيريا Nexperia NV المملوكة للصين على أكبر مصنع للرقائق في بريطانيا. ولم تمنح الحكومة الهولندية بعد ترخيص تصدير لشركة ASML لشحن جهاز من أكثر أجهزتها تقدماً إلى الصين، وأوضحت الولايات المتحدة أنها تفضل بقاء هذه التكنولوجيا داخل هولندا.

وذكر مارتين راسر، مدير برنامج التكنولوجيا والأمن القومي في مركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن، أن إدارة بايدن من المرجح أن تركز على شركة إيميك في المناقشات مع الاتحاد الأوروبي حول توسيع التحالف الأمريكي لمواجهة الصين تقنياً.

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت إدارة بايدن قد تواصلت معهم، ذكر فان دن هوف أن هناك «العديد من المناقشات جارية حول هذه الموضوعات»، لكنه رفض الإفصاح مع أي جهة. وأضاف أن إيميك حريصة على «المساهمة بطريقة إيجابية في تطوير صناعتنا، ولذا فإننا سنستضيف تلك المناقشات إن كان من شأنها دعم ذلك».

مجال التركيز المستقبلي ينصب على أشباه الموصلات المركبة، إذ تعمل الصين على تمويل تطوير ما تسميه رقائق الجيل الثالث المصنوعة من مواد مركبة مثل نيتريد الغاليوم، في محاولة لتجنب الاعتماد على التكنولوجيا القائمة على السيليكون في الولايات المتحدة. ويشك فان دن هوف في أن المجال سيكون أكثر من مجرد سوق متخصص لتطبيقات معينة وليس بديلاً للسيليكون.

وبدا فان دين هوف متفائلاً بشأن إمكانات الصناعة خارج المناطق الحالية. وقال إن تكنولوجيا الرقائق يمكن أن تحسن إنتاج الغذاء ومراقبته، على سبيل المثال، حتى في ظل الصدامات الجيوسياسية المتزايدة.