السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

ذاكرة الإنترنت الحية

ذاكرة الإنترنت الحية

داخل مبنى يكتسي باللون الأبيض، ويرتفع على أعمدة من الطراز الروماني، وفي حي هادئ بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، يقع المبنى الرئيسي لأرشيف الإنترنت، وهو المشروع الذي يستهدف العمل كمخزن وتاريخ حي لشبكة الإنترنت ومواقعها وتاريخها.

في المدخل الأمامي للمبنى، يمكن أن تشاهد متطوعين يقومون بترتيب الكتب وإعدادها للمسح الإلكتروني ورقمنتها حتى يمكن إتاحتها عبر الإنترنت للجميع. أما داخل المبنى الذي كان كنيسة قديمة في زمن ماضٍ، فسوف تجد مجموعة من خوادم الكمبيوتر التي تومض باللون الأخضر ومجموعة كبيرة من التماثيل الصغيرة التي تمثل كل شخص عمل في المشروع لمدة 3 سنوات على الأقل.

هذا هو أرشيف الإنترنت الذي يعرفه أغلب مستخدمي الشبكة العنكبوتية حالياً، والذي انطلق عام 1996 كفكرة لمهندس الكمبيوتر «بروستر كاهل» خريج معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ورائد الأعمال، ومنذ انطلاقه، قام الموظفون الذين يبلغ عددهم نحو 140 شخصاً برقمنة ما يقرب من 3 ملايين كتاب وإتاحتها عبر الإنترنت، في الطريق لتحقيق الهدف الأساسي وهو رقمنة 10 ملايين كتاب.

وبالإضافة إلى رقمنة الكتب وحفظها، يعمل أرشيف الإنترنت على تسجيل مقاطع فيديو من مختلف شبكات التلفزيون الرئيسية حول العالم وحفظها، بالإضافة إلى الملايين من النسخ المختلفة لمواقع الإنترنت وصفحاتها بما في ذلك الصفحات التي يتم حذفها من مواقعها الأصلية، بحيث يمثل هذا الأرشيف مخزن الإنترنت والذي يستخدمه حالياً ما لا يقل عن 5 ملايين شخص يومياً.



العثور على المعلومات المحذوفة جزء بسيط مما يقدمه أرشيف الإنترنت كما يقول المؤسس بروستر كاهل: «يسعى المشروع ليكون أكثر من هذا بكثير، في الحقيقة نحن نحاول القيام بجهد يشبه إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة، ونسعى لجعل جميع الأعمال البشرية متاحة للناس بشكل دائم، ويتعلق هذا الأمر بالكتب والموسيقى والفيديو وصفحات الويب والبرامج والمحاضرات، بحيث تكون تحت تصرف كل من يرغب في الوصول إليها».

وعن الإشارة الدائمة لمكتبة الإسكندرية القديمة مقارنة بأرشيف الإنترنت، يقول كاهل: «كانت مكتبة الإسكندرية هي المحاولة الأخيرة لجمع كل شيء معاً في مكان واحد، حيث كانت المكتبة مركز التعلم والحضارة في العالم القديم، وجمعت كل أعمال عصرها من الحضارات المختلفة».

ولكن بناء مثل هذا العقل العالمي في عصر الإنترنت، يتطلب التعامل مع مجموعة مختلفة من التحديات، فمن ناحية تتم إضافة كميات هائلة من المعلومات -والمعلومات الخاطئة- إلى شبكة الإنترنت يومياً، وهنا يبرز السؤال: ما الذى تختاره للمحافظة عليه؟ وكيف يمكن أن تحافظ عليه بالنظر إلى مدى سرعة تغير التكنولوجيا وأشكالها، ناهيك عن مخاطر اضمحلال العناصر الرقمية؟ فنحن نعرف مثلاً أن الورق يدوم نحو 500 عام، وأوراق النخيل تدوم ألف سنة، كما عاشت أوراق البردي منذ أيام الفراعنة، ولكن إلى متى يمكن أن تعيش محركات الأقراص الصلبة وذاكرات الفلاش؟

الحل الأمثل لهذه المشكلة، كما يرى كاهل، هو عمل العديد من النسخ في أماكن مختلفة، لمواجهة أي ظرف يهدد الأرشيف، سواء كان تدخلاً سياسياً أو كارثة طبيعية تصيب مقر الأرشيف نفسه، كما يجب تحديث النسخ والتأكد من توافر نسخة رقمية وحديثة ومكتملة دائماً. ويحتوي أرشيف الإنترنت حالياً على نحو 30 بيتا بايت من البيانات، مع توقعات بتضاعف هذا الرقم خلال العامين أو الثلاثة المقبلة. وتشير أحدث الأرقام إلى أن الأرشيف قام بتخزين أكثر من 486 بليون صفحة من صفحات الويب.

وبالإضافة إلى المركز الرئيس في سان فرانسيسكو تتواجد نسخ جزئية من الأرشيف داخل مكتبة الإسكندرية «الحديثة» في مصر، وأخرى في أمستردام، في الوقت الذي يخطط فيه مؤسس الأرشيف إلى وضع نسخة كاملة في كندا، حيث أطلق حملة تبرعات لجمع مبلغ 5 ملايين دولار مطلوبة لهذه المهمة.



جزء كبير من التمويل المطلوب لاستمرار عمل أرشيف الإنترنت يأتي من التبرعات، كما أنه يعمل بالتعاون مع أكثر من 500 مكتبة حول العالم بما في ذلك مكتبة الكونجرس والأرشيف الوطني، كما يحصل على مقابل 10 سنتات للصفحة الواحدة لرقمنة الكتب، وهو يقوم برقمنة نحو 1000 كتاب يومياً في 29 مركزاً للمسح الضوئي في 8 بلدان مختلفة.

ويقول كاهل إن الأرشيف يقوم بحفظ كل شيء في نطاق المواقع الحكومية أو العسكرية الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك تتوسع مجموعة عمل الأرشيف في تخزين مجموعات البيانات الرسمية، ومجموعات بيانات تغير المناخ على وجه الخصوص، وهناك الكثير من الأفراد والجهات التي تساهم في تلك الجهود.

ويعمل أرشيف الإنترنت بسياسة «تخزين الكل» كوضع افتراضي، لكنه في بعض الأحيان يوافق على إزالة بعض البيانات بطلب من إحدى الحكومات أو الهيئات، ولكن مثل هذه الطلبات يتم التعامل معها على حدة وفحصها بدقة، وهو الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى قيام بعض الحكومات بحظر الوصول إلي الموقع نفسه مثلما فعلت الصين.

ولا يحتفظ الأرشيف بمعلومات عن مستخدميه، ويرى كاهل أن هذا الأمر ضمانة قوية لحماية خصوصية القارئ، خاصة أنهم يتلقون بعض الطلبات من جهات إنفاذ القانون للكشف عن معلومات خاصة بالمستخدمين، وأنهم يردون بصدق: لا نعرف، ومع ذلك يواجه الموقع العديد من الطلبات الرسمية للمعلومات أو طلبات إزالة المعلومات المخزنة لديهم.

وبحثاً عن المزيد من الشفافية في زمن انتشار المعلومات الزائفة، قدم أرشيف الإنترنت ميزة تدقيق الحقائق والسياق للصفحات القديمة المخزنة لتوضيح أسباب القيام بإزالتها، وكتب «مارك جراهام» مدير قسم «آلة الزمن» داخل الأرشيف أنهم يركزون في مهمتهم للحفاظ على «التاريخ الرقمي» لكنهم يدركون تماماً قضايا المعلومات الخاطئة والمضللة القادمة من مصادر مختلفة، وبالتالي يعمل الأرشيف على توضيح الموضوعات المرتبطة بهذه القضايا.

يمكن زيارة الموقع عبر الرابط: https://archive.org/