الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

«بوكيمون جو» تثير خيال العالم

منذ 5 أعوام ماضية، وبالتحديد في ذلك الصيف من عام 2016، اجتاحت لعبة جديدة العالم بشكل غير مسبوق، لم تكن تعتمد فقط على الجلوس أمام الجهاز، ولكنها كانت تحتاج إلى حركة اللاعب إلى المناطق الحقيقية المحيطة به للقبض على حيوانات «البوكيمون» الخرافية والخارجة من أفلام الكارتون، وكانت تلك اللعبة هي أول تطبيق جماهيري على نطاق واسع لتكنولوجيا الواقع المعزز، ومن خلال التطبيق الذي يعمل على أجهزة الموبايل الذكية، لا يشاهد اللاعبون تلك المخلوقات على الأرصفة ومقاعد المتنزهات والملاعب فحسب، بل كان باستطاعتهم اتخاذ الخطوات المطلوبة للقبض عليها ووضعها في مواجهة حيوانات أخرى تجري المنافسة بينها.

هذه الأيام تمر الذكرى السنوية الخامسة لظهور لعبة «بوكيمون جو» والجنون العالمي الذي أحاط بها، ولم تكن اللعبة مجرد علامة فارقة فقط لشركة «نيانتك» التي تقف وراءها، وهي إحدى شركات غوغل الفرعية، ولكنها مثلت أيضاً علامة فارقة بالنسبة للعالم الرقمي بشكل عام، حيث كانت هي التطبيق العملي للواقع المعزز، وهي تقنية ناشئة في ذلك الوقت، وقد منحت العالم فكرة مبدئية لتكنولوجيا حديثة يعتقد الخبراء أنها ستكون من أهم تقنيات المستقبل القريب.



المثير أنه خلال 5 سنوات من حياتها، تمكنت «بوكيمون جو» من تحقيق عائدات إجمالية بلغت 5 مليارات دولار وفقاً لتقرير حديث صادر عن سينسور تاور المتخصصة في تسويق ألعاب الموبايل، والأكثر من هذا أن اللاعبين أنفقوا أكثر من 1.3 مليار دولار على اللعبة خلال عام 2020، بما يتجاوز عائداتها القياسية التي تحققت في عام 2019 بنحو 400 مليون دولار، وهذه الأرقام مفاجئة أخذاً في الاعتبار أن غالبية أنحاء العالم كانت تحت قيود فيروس كورونا، في حين أن اللعبة تتطلب من اللاعبين الحركة والذهاب لأماكن مختلفة.





ورغم مرور السنوات، لا تزال اللعبة هي الرائد الأساسي في فئة ألعاب تحديد الموقع الجغرافي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ولا ينافسها في ذلك لعبة أخرى، حيث حققت 641.6 مليون دولار في النصف الأول من عام 2021، وهذه الأرقام تضع «بوكيمون جو» في مقدمة ألعاب الذكاء الاصطناعي الأخرى مثل «دراغون كويست ووك» و"جوراسيك ورلد آلايف" وغيرها، لتحطم اللعبة أرقاماً قياسية جديدة.

ولكن السؤال هو: كيف استمرت اللعبة في تحقيق النجاح رغم اختلاف الظروف، وتراجع حمى البداية؟ يرى الخبراء أن التحديثات الأخيرة عليها كانت حاسمة لاستمرارها في عام 2020، حيث أجرى المطور العديد من التغييرات على طريقة اللعب لتناسب أوقات العزلة تحت تأثير فيروس كورونا بحيث لا يتطلب الأمر من اللاعبين الذهاب في نزهة على الأقدام أو التجمع في حشود كبيرة، وتضمنت تلك التحديثات أيضاً الأماكن التي تسقط فيها الهدايا بنسبة أعلى، وتخفيضات هائلة على أسعار المشتريات داخل اللعبة، الأمر الذي جذب المزيد من اللاعبين.



التغييرات العالمية الأخيرة الخاصة ببدء استعادة نمط الحياة العادية وتخفيف قيود الحركة، انعكست مرة ثانية على اللعبة، حيث أعلن المطور الشهر الماضي، أنه سيعيد بعض هذه التغييرات إلى وضعها الأساسي مع البداية من البلدان التي نجحت إلى حد كبير في السيطرة على الفيروس وستوسعها لاحقاً إلى أسواق أخرى. وهذا الإعلان يعني العودة لتشجيع لاعبي «بوكيمون جو» على الخروج والتجوال، واستعادة اللمسة الشخصية لها.

ويقول جون هناكي، الرئيس التنفيذي لشركة نيانتك، في تصريحات لمجلة ويرد المتخصصة، أن ذلك الصيف منذ 5 أعوام شهد زخماً غير تقليدي متعلق باللعبة، وكان الأمر أشبه بالجنون، وهو الأمر الذي هدأ في السنوات اللاحقة إلا أن مجموعة كبيرة من المعجبين أبقت اللعبة على قيد الحياة لتستمر في تحقيق الأرباح للشركة، وهو الأمر الذي ساعد في تطويرها وإضافة المزيد من المميزات إليها.

كانت «بوكيمون جو» هي الخطوة الأولى لشركة نيانتك في تأسيس مفهوم ما يسمى «العوالم المتعددة الحقيقية» أو باختصار تقديم عالم بديل يمكن للناس الغوص فيه من خلال تقنيات الواقع الافتراضى، وبالرغم من أن الشركة تركز حالياً على الألعاب والترفيه فقط، إلا أن المستقبل لن يقتصر على تلك المجالات فقط، وفي كل الأحوال فإن المشروعات المقبلة التي تعمل عليها الشركة تتعلق بعوالم قصص وأفلام «هاري بوتر» و«ترانسفورمرز».

وعلى الرغم من أن نيانتك قادت الطريق مبكراً لما يسمى العوالم المتعددة، إلا أنها لا تلعب وحدها في هذا المضمار، إذ يبدو الآن وكأن كل شركة تقنية كبرى أصبحت مفتونة بإمكانيات الواقع المعزز التي يتم استخدامها غالباً من خلال أجهزة التليفون الذكية، ولكن الجميع يتفق على أن مستقبل استخدام تقنيات الواقع المعزز سيكون من خلال نظارات خاصة ستوفر الرؤية المعززة بشكل مستمر، وفي الوقت الحالي توفر شركات مثل مايكروسوفت وسناب هذه النظارات في الأسواق، بينما تعمل فيسبوك على تطوير نظارات الواقع المعزز الخاصة بها، ويتردد أن أبل هي الأخرى تعمل على مشروعها في هذا المجال.

ولا تبدو شركة نيانتك في وضع مناسب للتنافس مع هؤلاء اللاعبين الكبار، حيث لا تمتلك الموارد غير المحدودة للآخرين، أو الشبكة الاجتماعية العملاقة، ولكنها في الوقت نفسه تمتلك الأفكار المبتكرة، إذ تسمح للمطورين باستخدام تقنيتها الخاصة لإنشاء تطبيقات الواقع المعزز وعلى رأسها الخريطة؛ وهو نظام تحديد المواقع فائق الدقة الذي يربط العناصر الرقمية بجغرافيا العالم الحقيقي، والذي كان أبرز تطبيق له هو لعبة «بوكيمون جو».

الاتجاه المتسارع نحو العوالم الحقيقية المتعددة، يطرح الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابة، ومن بينها مثلاً: هل سيتم حصار البشر في العالم المتعدد الخاص بأبل أو فيسبوك مثلاً اعتماداً على الجهاز المستخدم في تحسين الحواس البشرية؟ كما أن هناك العديد من المشاكل المرتبطة بالإطار القانوني ومنها مثلاً من يمتلك المجال الرقمي الافتراضي لموقع حقيقي؟ وغيرها من الأسئلة التي كان تصورها أو مناقشتها مستحيلاً قبل النجاح المدوي الذي حققته «بوكيمون جو».