السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الساعي إلى الحقيقة

الساعي إلى الحقيقة

بعد سنوات من البحث المضني، قيل له أن يذهب إلى كهف يوجد فيه بئر. «اسأل البئر ما الحقيقة وستجيبك». وبعد أن عثر على البئر المنشودة، طرح عليها هذا السؤال الجوهري، لتأتيه الإجابة من الأعماق: «اذهب إلى مفترق الطرق في القرية، هناك ستجد ما تسعى إليه».

هرع الرجل إلى مفترق الطرق ونفسه مفعمة بالأمل. وعند وصوله وجد ثلاثة متاجر فقط لا غير، واحداً يبيع قطعاً من الصلب والآخر يبيع الأخشاب، أما الثالث فيبيع أسلاكاً معدنية رفيعة. وقف وتمعن جيداً، ولكنه لم يجد أي شيء أو أي أحد يشير إلى الحقيقة.

عاد إلى البئر والخيبة تعتلي ملامح وجهه، وطلب من البئر أن توضح له ما جرى، «ستفهم في المستقبل» أجابته البئر. سخط الرجل كثيراً وصرخ عالياً، ولكن لم يرجع من البئر حينها سوى الصدى.



واصل الرجل بحثه عن الحقيقة، ومع مرور السنين، تلاشت ذكرياته مع البئر. وفي إحدى الليالي المقمرة، وأثناء سيره تحت ضوء القمر، لفت انتباهه صوت عزف رائع على آلة السيتار، كانت الموسيقى التي داعبت سمعه ملهمة ومفعمة بالإحساس.


ولم يشعر الرجل بنفسه إلا وأنغام الموسيقى تقوده إلى عازفها. وقف ساكناً متأملاً تلك الأنامل التي تداعب الأوتار بكل رقة. وبعد أن أمعن النظر جيداً في آلة السيتار، انفجر باكياً ودموع الفرح تغمر عينيه حين أدرك أن تلك الأوتار والقطع المعدنية والخشب التي رآها قبل سنوات في المتاجر الثلاثة عند مفترق طرق القرية واعتقد أنها مجرد خردة، هي التي منحت الحياة لهذه الآلة التي كسرت سكون الليل بأنغامها الرائعة.

وحينها أدرك ما قصدته البئر من رسالتها: لدينا كل ما نحتاجه في الحياة، ومهمتنا تتمثل بتجميع ما لدينا واستخدامه بالطريقة المناسبة. وإن إدراكنا لمعنى الأشياء التي حولنا سيكون ناقصاً طالما ننظر إلى كل منها على حدة. ولكن بمجرد أن نجمع الأجزاء معاً، تظهر أمامنا صورة جديدة كاملة لم نكن لندرك مدى جمالها وأهميتها لو نظرنا إلى تفاصيلها منفردة.