السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«نتفليكس».. المراجع الدراسية

علي غرار خدمة «نتفليكس» للبث عبر الإنترنت، والتي توفر مجموعة واسعة من المواد الترفيهية التي يمكن الوصول إليها والاختيار منها وذلك مقابل اشتراك شهري ثابت، بدأت مجموعة من شركات نشر الكتب الدراسية المتخصصة في تقديم هذه المراجع عبر منصة تشبه إلي حد كبير أفكار شركات بث مواد الترفيه، ليتمكن الطلبة من استخدام الكتب مقابل اشتراك شهري ثابت.

ويأتي هذا التطور، بعد الزيادة الكبيرة في أسعار الكتب والمراجع الدراسية، التي ارتفعت بمعدل أسرع 4 مرات من معدلات التضخم خلال العقد الماضي، ونتيجة لهذا الأمر، لم يتمكن ما نسبته 64% من طلاب الولايات المتحدة من الحصول علي كتاب واحد علي الأقل من الكتب المهمة لدراستهم الجامعية.



في الوقت نفسه، شهدت السنوات الأخيرة سيطرة نماذج الإيرادات القائمة علي الاشتراك علي وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية من «نتفليكس» إلى «نيويورك تايمز» التي تحقق الآن إيراداتها المباشرة من المشتركين القراء، ليصبح الوضع كالتالي: ارتفاع أسعار الكتب الدراسية بشكل غير مسبوق، ووجود جمهور واسع مستعد لخدمات الاشتراك الرقمية، ولذا كانت الفرصة مواتية تماماً لظهور ما يمكن تسميته خدمة «نتفليكس» للمراجع الدراسية.


أحدث هذه الخدمات تأتي من خلال شركة بيرسون؛ أكبر ناشر للمراجع الجامعية والمدرسية في الولايات المتحدة التي أعلنت إطلاق خدمة اشتراك جديدة لهذه المراجع بدلاً من شرائها أو مطالعتها في المكتبة. وقالت الشركة إن تطبيقاً خاصاً لهذه الخدمة سيكون متاحاً على الأجهزة المحمولة وأجهزة الكمبيوتر لطلبة الجامعات الأمريكية في الخريف المقبل، مع احتمالية طرحه عالمياً في المستقبل القريب.

تقدم الشركة نوعين من مستويات الاشتراك، الأول مقابل 9.99 دولار شهرياً للوصول إلى مرجع واحد في الوقت الواحد، أو مقابل 14.99 دولار شهرياً للوصول إلى مكتبة الشركة كاملة من المراجع، وهي المجموعة التي تتكون من حوالي 1500 عنوان، ويوفر التطبيق العديد من أدوات الدراسة الأخرى بما في ذلك البطاقات التعليمية، وتسجيل التعليقات وبعض أشكال خطوط الكتابة الخاصة.

شركة «بيرسون» لم تكن دار النشر الأولى التي تجرب فكرة المنصة الرقمية، حيث سبقتها شركة سينجاج التي أطلقت منصتها للكتب الرقمية وذلك باشتراك قيمته 69.99 لمدة 4 أشهر، إلا أن هذه التجربة واجهت صعوبات كبيرة ودعاوى قضائية من المؤلفين الذين اعتبروا أن هذه الطريقة تؤثر على حجم الإيرادات التي يحصلون عليها، لكنّ محامي الشركة ردوا أمام المحكمة بأن خدمة الاشتراك الإلكترونية لن تقلل من الحقوق المالية والفكرية للمؤلفين، بل على العكس من ذلك فإن التوقعات تشير إلي زيادة ما يحصل عليه المؤلفون من انتشار الطريقة الجديدة لتأجير المحتوى العلمي، وهو ما أدى إلى رفض أولى الدعوات.

بعد تجاوز احتجاجات المؤلفين، بدأت الشركة أيضاً في توسيع نطاق تطبيق الفكرة، حيث تعاونت مع شركة بيرلجو لخدمات اشتراك الكتب الدراسية، ووفقاً لهذا التعاون، ستقوم بيرلجو بتوزيع المراجع الدراسية التي تصدرها سينجاج عبر خدمة الاشتراكات الشهرية في الأسواق الأوروبية الرئيسية وكذلك في دول الخليج العربي وجنوب أفريقيا، ويعتبر هذا التعاون هو الأول من نوعه لفتح نافذة دولية لتوزيع المراجع الدراسية وفق نظام الاشتراك، خاصة وأن خدمة سينجاج الأصلية متاحة فقط داخل الولايات المتحدة، ووفقاً للاتفاقية، يمكن للشركة التعليمية استثمار محتواها في الخارج تماماً كما يحدث في اتفاقات توزيع المحتوي الترفيهي عبر شبكات البث عبر الإنترنت.

وفي بيان صحفي، قال ألكسندر برويش، رئيس سينجاج إن شركته أطلقت منصة تسمح بالوصول للمراجع الدراسية من خلال نموذج اشتراك ثابت، حيث يدفع المشتركون مبلغاً محدداً للوصول إلى أكثر من 20 ألف مرجع مختلف، أما بالنسبة للاتفاقية الجديدة، فهي تسمح للمشتركين خارج الولايات المتحدة بالوصول إلى عدد من المراجع كتجربة لاستكشاف حجم الطلب.

وتعتبر المراجع الدراسية جزءاً من تكاليف الدراسة في الجامعات الأمريكية، ويمكن أن تصل قيمتها إلى عدة مئات من الدولارات في كل فصل دراسي، وتروج شركات إنتاج المراجع لهذه الخدمات الرقمية الجديدة باعتبارها وسيلة فعالة لتوفير الأموال، ويقدر الخبراء متوسط كلفة الكتاب المدرسي الرقمي من 40 دولاراً إلى ما يزيد على 200 دولار، وهو ما يعنى أن الطلاب الذين يحتاجون كتابين أو أكثر مما تنتجه إحدى دور النشر في الفصل الدراسي الواحد سيوفرون المال عملياً عن طريق خدمة الاشتراك.

ويقول ناشرو الكتب الدراسية إنهم يدركون جيداً الصعوبات التي يواجهها الطلاب في الحصول على الكتب وتحمل تكلفتها العالية، إذ يقول فير كلير، المدير التنفيذي لشركة ماجرو هيل التي تعتبر من أكبر الناشرين في العالم، إن السوق في الوقت الحالي يمر بمرحلة من إعادة التفكير؛ لأن أسعار الكتب خرجت بالفعل عن السيطرة على مدى السنوات العشر الماضية، ولكن منذ سنوات قليلة بدأ المنحنى في النزول قليلاً.

وعلى الرغم من إغراء فكرة الاشتراك، إلا أنها تواجه الانتقادات أيضاً، فبشكل عام يمكن للطلبة توفير الأموال عن طريق شراء الكتب الدراسية المستعملة، كما يمكن استعادة جزء من قيمة الكتب عن طريق إعادة بيعها بعد انتهاء الفصل الدراسي، وكلا الخيارين غير متوافر بالنسبة لنموذج الاشتراك الرقمي، أما المشكلة الأكبر فهي اتجاه منصات الاشتراك الرقمي إلى رفع أسعارها بعد فترة الانتشار الأولي، وهو الأمر الذي حدث مع منصات مثل «نتفليكس» و«ديزنى» و«سبوتفاي» خلال العام الماضي مع زيادة قاعدة مستخدميها.

بطبيعة الحال، سيحتاج كل طالب لإجراء حساباته الخاصة قبل الاشتراك في هذه الخدمة بناء على مدى استفادته منها، ولكن من الواضح أن قيمة الاستفادة من هذه المنصة تتضاعف مع كل كتاب إضافي يحتاج الطالب للتعامل معه خلال دراسته، ومع زيادة التوفير في النفقات، من السهل تماماً أن نرى ازدياداً في الضغوط على إدارات الجامعات لإدراج المزيد من كتب منتجي المحتوى الدراسي عبر المنصات في المقررات الدراسية.