الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

«التزييف العميق» يقتحم مجال الأعمال

«التزييف العميق» يقتحم مجال الأعمال
منذ سنوات قليلة، ظهرت تقنية شديدة الخطورة أطلق عليها خبراء التكنولوجيا اسم «التزييف العميق»، وهذه التقنية تقوم بالتلاعب بالفيديو وإنتاج مقاطع لمشاهير لا يمكن تفرقتها عن الفيديو الحقيقي، ما أطلق أجراس الإنذار حول خطورة هذه التقنية التي أصبحت متاحة أمام الهواة بطريقة سهلة الاستخدام، ولكن كما يحدث في كل طفرة تقنية يشهدها العالم، دخلت هذه التقنية فجأة مجال الأعمال الشرعية كجزء من أفكار الترويج غير التقليدية.

شركة EY عملاق المحاسبة المعروفة سابقاً باسم «إرنست ويونج» تختبر حالياً وسيلة جديدة لإثارة اهتمام متعامليهم بطريقة تناسب عصر الذكاء الاصطناعي. حيث تقوم الشركة بإضافة الإثارة على العروض التقديمية للمتعاملين، أو رسائل البريد الإلكتروني الروتينية باستخدام مقاطع فيديو تظهر فيها الشخصيات المسؤولة بالشركة وهي تتحدث وتتحرك، بينما في حقيقة الأمر هي مقاطع مصنوعة بالكامل باستخدام التقنيات التي تعرف بشكل عام باسم التزييف العميق.

ويأتي استخدام الشركة لتلك التكنولوجيا التي قدمتها شركة سينثيسيا البريطانية الناشئة في محاولة لاستعادة أساليب التواصل الفعالة مع المتعاملين، حيث أدى وباء كورونا إلى القضاء على الطرق التقليدية لتعزيز العلاقات التجارية بداية من مباريات الغولف، أو عشاءات العمل، وفي الوقت نفسه فإن الطرق الافتراضية من مكالمات «زووم» وحتى الملفات النصية الطويلة لم تثبت فاعليتها في تحقيق التواصل المطلوب.




استخدم التنفيذيون في شركة EY شخصياتهم المخلقة إلكترونياً بالكامل في رسائل البريد الإلكتروني ولتعزيز العروض التقديمية؛ -مثلاً- أحد المسؤولين والذي لا يتحدث اليابانية استخدم تقنية الترجمة المدمجة ضمن برمجيات سينثسيا المتطورة، لخلق فيديو وهو يتحدث اللغة اليابانية بطلاقة قبل إرساله للمتعاملين في اليابان، بهدف تحقيق أفضل تأثير.

جاريد ريدر، الذي يعمل ضمن فريق المساعدة الإبداعية والتقنية للشركاء في EY والذي تخصص خلال الأشهر الماضية في إنتاج مقاطع فيديو مصنوعة بالكامل لزملائه بالشركة، يقول لصحيفة نيويورك تايمز: «نحن نستخدم هذه التقنية كتمييز وتعزيز للشخص الحقيقي، وعلى عكس إرسال بريد إلكتروني عادي، يمكن الآن التواصل بشكل أكثر إنسانية عن طريق الصوت والصورة».

وعلى عكس استخدام تقنية التزييف العميق لخداع المشاهدين، يتم تقديم مقاطع الفيديو هذه باعتبارها مقاطع «مصنوعة» وليست مشاهد فيديو حقيقية، ويقول ريدر إن استخدام هذه الوسيلة أثبتت فاعلية مؤكدة من خلال إضفاء الحيوية على التواصل الروتيني مع المتعاملين.

وترفض الشركة بالأساس إطلاق اسم «التزييف العميق» على ما تقدمه، وتفضل أن تسميه «المستنسخات الافتراضية»، أو «هوية الواقع الافتراضي»، وبغض النظر عن التسمية فهذه التقنية هي أحدث مثال على التسويق التجاري للفيديو والصوتيات المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهو مفهوم تقني ظهر للمرة الأولى عام 2017 وغزا شبكة الإنترنت بالعديد من المقاطع الإباحية المختلقة للمشاهير ونجوم هوليوود، ومنذ ذلك الحين تطورت تقنية التزييف العميق بشكل مستمر وأصبحت أكثر إقناعاً وأسهل في الصناعة.

وجدت هذه التكنولوجيا الجديدة استخدامات في العديد من المجالات، من إنشاء نماذج لعرض الملابس الجديدة، وحتى الدخول في إنتاج هوليوود من الأفلام التقليدية، على سبيل المثال، قامت شركة لوكاس فيلم مؤخراً بتوظيف عضو بارز من هواة «التزييف العميق» على الإنترنت والذي حصل على ملايين المشاهدات لمقاطع فيديو أعاد فيها صياغة الوجوه على مشاهد من سلسلة أفلام حرب النجوم، بل وكشفت شركة «نفيديا» المتخصصة في إنتاج رقائق رسوميات الكمبيوتر والشرائح المستخدمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

شركة سينثيسيا التي طورت أعمال الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها EY، صنعت بالفعل حزمة من الأدوات التي تستخدم في إنشاء مقاطع فيديو مركبة بتقنيات التزييف العميق، وتجتذب الشركة الكثير من الزبائن في مجالات الأعمال المختلفة، مثل شركة WPP للإعلانات التي استخدمت هذه التكنولوجيا لنشر الرسائل الداخلية للشركة بلغات متعددة دون الحاجة إلى تصوير مقاطع فيديو مختلفة عالية الكلفة.

قدم ريدر وفريقه أول كليب لشخصية من الشركة في مارس الماضي بطلب من أحد المتعاملين، وتمكنت EY من الفوز بالصفقة، وانتشرت الأخبار حول المساعدة التي قدمتها الشخصية المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي ليطلب باقي التنفيذيين في الشركة صناعة صورتهم المنتجة إلكترونياً بالكامل، وهو الأمر الذي أدى حتى الآن لصناعة تلك الصور لثمانية من المديرين الكبار بالشركة.



عملية الاستنساخ ليست معقدة بشكل كبير، حيث يجلس الشخص المعني أمام الكاميرا لمدة 40 دقيقة تقريباً ويقرأ أحد النصوص الخاصة، وتزود اللقطات مع الصوت خوارزميات برمجيات سينثيسيا بأمثلة كافية لإعادة إنتاج حركات وجه الشخص والحديث بنفس درجة الصوت ونفس الأداء. بعد ذلك يكون إنتاج مقطع فيديو جديد تماماً لهذا الشخص مسألة سهلة للغاية، مثل كتابة كلمة ليلقيها في محفل عام. وبطبيعة الحال يمكن اختيار خلفيات مختلفة لمصاحبة هذا الشخص في كلمته، ويوصي فريق العمل أن يستخدم المديرين مكاتبهم في المنزل أو غرفة المعيشة أو غيرها من الأماكن التي تحتوي على أشياء شخصية يمكن أن توفر نقاطاً للحديث.

ومع خطورة إساءة استخدام هذه التكنولوجيا، تشترط شركة سينثيسيا على جميع المتعاملين الحصول على موافقة رسمية من الشخص المعني قبل إنتاج نسخة رقمية منه، بينما تقول شركة EY إن الوصول إلى أدوات إنتاج الأعمال الرقمية يتم التحكم فيه بعناية كاملة وبدقة لمنع الاستخدام غير المصرح به أو غير المدروس. وتقول الشركة إنها تخطط لمواصلة التجريب في إنتاج النسخ الرقمية للموظفين.

«التجربة الجديدة التي يمكن أن تكون ملفتة للنظر، تبدو في الوقت نفسه غير طبيعية»، كما تقول أنيتا وولي عالمة النفس بكلية إدارة الأعمال بجامعة كارينجى ميلون: «عندما يكون لديك تقنية تعرض مظهراً شبيهاً بالبشر فإنها تقدم خطاً رفيعاً بين الإحساس بالراحة والإحساس بالغرابة.. وأن الأبحاث تشير إلى أن التسرع في احتضان الفيديو قد يكون خطأ في بعض الأحيان، وهناك أدلة على أن مكالمات الفيديو قد تزيد من صعوبة التواصل وحل المشكلات، حيث يمكن أن تشتت العناصر المرئية الانتباه عن محتوي المحادثة».

ويقول المسؤول التقني في EY أن هذه التقنية تواجه أيضاً بعض الشكوك بين الموظفين، إذ يعرب الكثير من العاملين عن قلقهم من أن التكنولوجيا يمكن أن تقلل في النهاية من قيمة العنصر البشري في العمل.