الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«يوتيوب» يتحدى «تويتش»

لسنواتٍ طويلة هيمنت منصة «تويتش» على عالم البث المباشر «ستريمنج»، وحققت شهرتها دون منافسة حقيقية، الأمر الذي جذب الملايين من المستخدمين بالإضافة إلى صناعة العشرات من النجوم. ولكن في خطوة مفاجئة أكدت منصة «يوتيوب» أنها قادمة للمنافسة بقوة في هذا المجال عندما نجحت في اجتذاب «بن لوبو» و«تيم بيتار» وهما من أبرز منتجي المحتوى على «تويتش» لينتقلا إليها، بعد تقديم عروض أفضل بكثير مما كانا يحصلان عليه.

هذه الخطوة أثارت اهتمام الخبراء ومنتجي المحتوى الذين بدأوا في التفكير جدياً وللمرة الأولى في تغيير منصة العرض خاصةً مع المشاكل المتلاحقة التي تحيط بـ«تويتش»، وأيضاً وضعها شبه الاحتكاري في هذا المجال الذي جعل المسؤولين عنها لا يتميزون بالمرونة الكافية لتطوير نماذج الأعمال وتقديم عروض أكثر جاذبية.

وعلى عكس محاولات منافسة «تويتش» على مدار سنوات التي جاءت على مراحل وموجات متعاقبة، مثل منصة «ميكسر» التي قدمتها مايكروسوفت ولم تستمر طويلاً في السباق، فإن المنافس المقبل مختلف تماماً، حيث يمتلك «يوتيوب» قاعدة مستخدمين ضخمة تزيد على 2 مليار مستخدم، قادرة على أن تسبب الكثير من المشاكل لأشهر منصات البث المباشر.




وعلى الرغم من أن قاعدة مستخدمي «تويتش» التي تمتلكها شركة «أمازون» غير معروفة على وجه الدقة، فإن الأرقام المتداولة تقول إنها تضم نحو 140 مليون مستخدم نشط شهرياً، وهي القاعدة التي توفر 65% من إجمالي ساعات البث المباشر التي تمت مشاهدتها عبر الإنترنت، ورغم الإمكانات الهائلة التي يمتلكها «يوتيوب» فليس هناك أي ضمان لقدرته على التأثير عليها.

ومع ذلك، دخلت منصة الفيديو المعترك مؤخراً من خلال «يوتيوب جيمينج» الذي يرى المسؤول عنه ريان وايت إن الهدف ليس منافسة تويتش بالأساس، خاصةً أن يوتيوب تم تصميمه بطريقة مختلفة لأنه يسمح لمنشئ المحتوى بتنمية قناته من خلال القيام بما هو أكثر من مجرد البث طوال الوقت حيث يمكنه تحميل مقاطع فيديو عادية وقصص مختلفة وغيرها.

ويقول وايت: "يعتبر وقت المشاهدة المباشرة نوعاً من السوق الثانوية من وجهة نظر استهلاك المحتوى، لأن الغالبية العظمى من الاستهلاك تحدث في نمط المشاهدة عند الطلب VOD، ولكن الاختلاف أن البث المباشر تفاعلي بشكل كبير، ويقدم تجربة غنية للغاية لا تتوافر بأي وسيلة أخرى، إلا أن انتشاره على نطاق واسع لم يكن هو السبب وراء دخولنا المجال."

وعلى الرغم من أهمية لوبو وبيتار، استطاع «تويتش» تحمل رحيلهما لأنهما لم يكونا من كبار محققي الأموال على المنصة، بالرغم من إضافتهما الكثير للعلامة التجارية، وبالإضافة إلى ذلك فما زال هناك المئات من برامج البث الكبيرة على «تويتش» التي يمكن للمؤثرين الانضمام إليها، ولكن انتقال بيتار على وجه الخصوص كان تأثيره واضحاً في «يوتيوب» حيث جذب أكثر من 100 ألف مشاهد متزامن في بثه الأول، واكتسب ما يقرب من 20 ألف مشترك مدفوع بعد يومين فقط.

لا يتوقف الأمر فقط على فقدان شخصيات مؤثرة من منصة «تويتش»، ولكن الأهم أن هذا الانتقال لاثنين من أبرز النجوم جاء في وقت كانت فيه ثقة المستخدمين بالمنصة في أدنى مستوياتها على الإطلاق، بل أن بيتار أعلن مغادرته في نفس اليوم الذي أطلق فيه آلاف المستخدمين حملة لمقاطعة «تويتش» اعتراضاً على انتشار «هجمات الكراهية» والحسابات الوهمية وحالات التحرش عبر المنصة وعدم قيام المسؤولين باتخاذ الإجراءات المناسبة لإيقاف هذا الفيضان، بالإضافة إلى مطالبة منتجي المحتوى بتنويع مصادر الدخل الخاصة بهم عن طريق تغيير النماذج الحالية.

والحقيقة أن يوتيوب لا يتميز فقط بأن محتوى الكراهية عليه أقل كثيراً من منافسه، ولكن مصدر الجذب الأكبر هو نظام تقسيم الأرباح الأساسي بنسبة 70 إلى 30 لصالح المبدعين، وهو ما يتجاوز الوضع في «تويتش» الذي يقسم الأرباح بالتساوي، بالإضافة إلى ذلك فإن «يوتيوب» يمثل مساحة أفضل للبث المباشر حيث لم يتشبع تماماً بهذا النوع من المحتوى مقارنة بتويتش التي يسيطر فيها ألف شخص تقريباً على أكثر من نصف عدد الساعات التي تمت مشاهدتها، بينما يتنافس الملايين من أصحاب القنوات على مساحة صغيرة ومحدودة من الجمهور، كما أن تويتش تخصص بالأساس في مراجعات الألعاب وعالمها، ما جعل المنصة محصورة في هذا المجال.

ولدخول معترك المنافسة، قدم يوتيوب صفحة لاستكشاف محتوى البث، إلا أنها في الوقت الحالي أقل قوة من «تويتش» وهو ما يعترف به وايت الذي يرى أن هناك «مجالاً للتحسن»، ولكن المنصة لا تعتبر هذه الصفحة وسيلة الجذب الأساسية للجمهور، حيث تراهن على نظام «التوصيات» والخوارزميات المتطورة وراءه التي تمثل مصدر القوة الأساسية لنجاح المشروع، فمع عقد الصفقات الكبيرة مع أصحاب قنوات البث الشهيرة، سوف يعمل نظام «التوصيات» على اقتراح هذا المحتوى على الغالبية العظمى من قاعدة المستخدمين الهائلة.

ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، ففي الوقت الذي يستطيع فيه منتجو المحتوى تحقيق رواج سريع على يوتيوب، فإن الأمر أصعب بكثير بالنسبة للأقل شهرة، الذين يظهر لهم الأمر وكأنهم يبدأون من الصفر. فعلي سبيل المثال فإن «آشلي كريستنسون» مدربة البث التي يركز المحتوى الذي تقدمه على مساعدة أصحاب المحتوى الآخرين فى تحقيق النجاح جربت مؤخراً البث على يوتيوب لمدة شهرين، ولكن عدد المشاهدين المتزامنين لبرنامجها انخفض إلى نصف العدد الذي كان يتابعها على تويتش.

بالإضافة إلى ذلك، لا يزال يوتيوب متراجعاً بشكل كبير أمام تويتش عندما يتعلق الأمر بمميزات البث المباشر، فمثلاً ميزة «إهداء الاشتراك» والتي تتيح للمشاهدين شراء اشتراكات لآخرين للمشاركة في الدردشات تعزز مجتمع البث وتخلق نوعاً من الإثارة والمنافسة، كما أن الفارق في هامش الربح الذي يعرضه يوتيوب لا يستطيع في الوقت الحالي تعويض الفوارق في نسب المشاهدة، ولكن هذا الأمر يمكن أن يتغير في المستقبل.

يمتلك يوتيوب أنظمة أساسية مثل «الاشتراكات المدفوعة» ولكنه لا يزال في طور محاولة ربط العناصر مع بعضها البعض، وهي العناصر التي تمثل قوة «تويتش» حالياً، ويرى الخبراء أن هناك الكثير من المميزات المتواجدة بالفعل في يوتيوب، القادرة خلال فترة قصيرة جداً على تمثيل منافسة حقيقية لمنصة «تويتش» في ملعبها الأساسي.