السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

خطة أوروبية لإصلاح الإنترنت.. «قواعد أكثر صرامة»

خطة أوروبية لإصلاح الإنترنت.. «قواعد أكثر صرامة»
على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أصدر أقوى قواعد لحماية الخصوصية في العالم، الأمر الذي أثار وما يزال يثير غضب شركات التكنولوجيا الكبرى، إلا أن المشرعين الأوروبيين يعتقدون أن التطبيق الحالي لهذه القواعد ليس كافيا لمنح المستخدم الحماية الكافية من تتبع الشركات لآثاره الإلكترونية، ويعملون على إعداد قواعد جديدة لتحسين الوضع فيما يطلقون عليه عملية إصلاح شبكة الإنترنت مسترشدين بالتجارب التي قدمتها بعض الشركات في هذا الإطار.

في الوقت الحالي، عندما يرغب مواطن أوروبي في قراءة أو تصفح شيء ما عبر شبكة الإنترنت، فإن عليه أولاً استعراض العديد من الشاشات والخيارات والإشارة عليها برفضه مشاركة بياناته الشخصية مع الأطراف الثالثة، وهي في هذه الحالة المعلنين، واللائحة العامة لحماية البيانات GDBR أو ما يعرف باسم قانون الخصوصية التاريخي في أوروبا، تعني أن مواقع الإنترنت يجب أن تطلب من المستخدمين الموافقة المسبقة علي تتبعهم عبر الإنترنت، ولكن العديد من هذه المواقع تجعل عملية الرفض أصعب بكثير من الموافقة، بما يعني أن البحث الذي يقوم به المستخدم يستغرق وقتا أطول بكثير مما كان ينوي إنفاقه علي موقع ويب، وحول الوضع الحالي تعلق ألكسندرا جيس العضو الألمانية في البرلمان الأوروبي، في تصريحات لمجلة «ويرد» المتخصصة بالقول: «تكمن المشكلة الحالية للائحة حماية البيانات في عدم تطبيقها بشكل صحيح، وبالتالي لا يوجد أمام الناس خيار حقيقي».

قواعد أكثر صرامة


حالياً، فإن جيس من بين مجموعة من المشرعين الأوروبيين الذين يعملون حالياً على صياغة بعض القواعد الأكثر صرامة في العالم ضد شركات التكنولوجيا، وذلك في محاولة لإصلاح قواعد عمل واستخدام الإنترنت.


وبينما كان أعضاء البرلمان الأوروبي يفكرون في كيفية تشكيل هذا النظام الذي يمنح الخيار الحقيقي لمستخدمي الإنترنت، ظهر نموذج آخر علي يد شركة «أبل» وحقق نجاحاً بشكل يجعله نموذج محتمل لإعادة تشكيل الإنترنت. في عام 2021 قدم عملاق التكنولوجيا لمستخدميه أسلوب جديد للخصوصية للموافقة علي تتبع بياناتهم من عدمه. ويعمل هذا النظام بطريقة بسيطة للغاية، فعندما يتم تنزيل تطبيق علي أجهزة «آيفون» يظهر خيارين بسيطين للغاية، طلب عدم تتبع البيانات أو الموافقة على هذا التتبع.

وأظهرت الإحصاءات أن نسبة 98% من مستخدمي الموبايل رفضوا التتبع، وهو الأمر الذي اعتبره البرلمان الأوروبي دليلا على أن الناس سيختارون الخصوصية إذا أتيحت لهم الفرصة. ويقول «تيمو وولكن» الألماني عضو البرلمان الأوروبي، «النموذج جيد، ولكني لا أعتقد أن الخصوصية يجب أن تتاح فقط للذين يستطيعون شراء المنتجات المتميزة مثل التي تقدمها أبل».

تطبيق نموذج أبل

ويرغب المشرعون الأوروبيون الآن في تطبيق نموذج أبل عبر جميع المنصات الرئيسية علي الإنترنت، وهو تعريف يشمل الأسواق الإلكترونية، ومتاجر التطبيقات، ومنصات التواصل الاجتماعي، وإجبار هذه المنصات علي عرض خيارات بسيطة عند زيارة الأشخاص لمواقع الويب الخاصة بهم. في 20 يناير الماضي، صوت غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي لصالح تعديل قانون الخدمات الرقمية DSA، والذي نص علي أن رفض تتبع الإعلانات يجب ألّا يكون أكثر صعوبة أو مضيعة للوقت من الموافقة علي التتبع، ولتحويل هذه الموافقة إلي تعديل قانوني ملزم يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل المجلس الأوروبي والذي يمثل رؤساء الحكومات في الدول السبعة والعشرين، وإذا حدث ذلك فقد تصبح قانونا ساريا بحلول نهاية هذا العام.

المشكلة أن المعلومات التفصيلية التي تم الكشف عنها مؤخرا حول نظام شركة أبل الذي حظي بالإشادة تظهر أنه ليس الخيار الواضح الذي كان يأمل فيه المشرعون من الاتحاد الأوروبي، حيث إنه عرضة للتلاعب، وخيار «عدم التتبع» لا يمنع جميع عمليات التتبع من المعلنين. ومنذ تطبيق قواعد عدم التتبع في يوليو الماضي، شاركت شركات مثل سناب شات وفيسبوك إشارات المستخدم الصادرة من أجهزة آيفون، طالما كانت هذه البيانات مجهولة المصدر ومجمعة. وقالت شركة أبل إنه لا يسمح للمطورين باستخدام إشارات من الجهاز لمحاولة التعرف على مستخدم، وقالت الشركة أن هذه القواعد تنطبق بالتساوي على جميع المطورين، ولكن هذا الأمر لم يمنع المعلنين من محاولة جمع بيانات مجهولة الهوية للمستخدمين المستهدفين.

حماية خصوصية المستخدمين

وحول هذا الأسلوب، قال متحدث باسم سناب شات، إن الشركة طورت بعض الحلول لحماية خصوصية المستخدمين، تقوم بقياس بينات الاتصال الإجمالية دون ربطها بنشاط مستخدم محدد خارج التطبيق الأساسي مثل تثبيت برنامج جديد أو زيارة موقع ويب أو غيرها، بينما رفضت فيسبوك التعليق علي الأمر.

لم يظهر بوضوح إن كانت أبل قد أيدت هذه الحلول، ولكنها في كل الأحوال تكشف أن عمليات التتبع ما تزال موجودة وإن كانت باستخدام أساليب جديدة، وقد لاحظت هيئات التشريع هذه الحقيقة في ديسمبر الماضي، حيث عالجت هيئة تنظيم المنافسة في بولندا بعض المفاهيم الخاطئة حول ميزة شفافية تتبع التطبيقات من أبل، وقالت الهيئة حول هذا الأمر: «قواعد أبل لا تعني أنه لم يعد يتم جمع معلومات عن المستخدمين، ولا أنهم لن يتلقوا إعلانات مخصصة لهم»، وفي الوقت نفسه واجهت أبل أيضاً تحقيقاً معمقاً في فرنسا لتحديد ما إذا كان تغيير قواعد الخصوصية سوف يضر بالمعلنين.

صناعة الإعلانات تقول إنها تطور حالياً الجيل الجديد من أدوات التتبع، وذلك بالتعاون مع شركات المنصات التقنية وليس كحلول للالتفاف علي القواعد التي يضعونها، ويقول سيباستيان إميريا المسؤول في وكالة الإعلان هافاس ميديا فرانس: «قدمت الشركات الكبرى مثل غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون بعض الأفكار والاقتراحات من أجل استهداف الأشخاص دون الحاجة لملفات تعريف الارتباط «كوكيز»، وقدمت غوغل نظام FLoC وهو أسلوب يسعى لمنح المعلنين طريقة لاستهداف الإعلانات دون الكشف عن معلومات حول المستخدم الفرد، وذلك من خلال تجميع الأشخاص معاً وفقاً لاهتماماتهم، بينما يعمل نظام CAPI من شركة ميتا بربط بيانات العلامات التجارية من متاجرها عبر الإنترنت مع معلومات من الملفات الشخصية عبر منصة فيسبوك للمساعدة في الاستهداف، وهي وسيلة للتتبع دون استخدام ملفات «الكوكيز»، مضيفاً أن غوغل في الوقت نفسه علي وشك تجميع بعض شرائح الجمهور الصغيرة جداً ذات الاهتمامات المشتركة ومن ثم يمكن استهدافها».

الدقة الكبيرة التي يمكن أن تصل إليها تلك الأدوات التي يتم تطويرها حالياً، أثارت بالفعل المخاوف بين الجماعات التي تعارض فكرة الاستهداف بالإعلانات نظراً لانتهاكها خصوصية المستخدم، ووصفت جمعية الحقوق الرقمية الأمريكية الفكرة التي يعمل عليها غوغل بأنها «مروعة» لأنها تعمل مثل ملخص موجز لأنشطة المستخدم الأخيرة على الويب، وحذرت الجمعية من استبدال طريقة ملفات تعريف الارتباط «كوكيز» بنظام آخر يرتبط بسلوك المستخدم الذي يلتصق به من موقع لموقع.

الأوروبي أكثر مرونة

إذا كانت أوروبا ستعمل على فرض نظام مشابها لنظام أبل عبر جميع المنصات علي شبكة الإنترنت، فقد يعتقد مستخدمو الإنترنت أنهم يحصلون على حماية شاملة من التتبع، بينما في الواقع تستمر هذه العمليات عبر الحلول والأدوات التقنية الجديدة، ويقول أعضاء البرلمان الأوروبي المؤيدون لنظام مستوحي من أبل إنهم على دراية بهذه الأخطار، لكن «فولكن» يعتقد أن النظام الأوروبي سيكون أكثر مرونة لأن التشريع سيتم فرضه على يد جهة تنظيمية حكومية وليس عن طريق شركة تعمل لمصلحتها الخاصة، مؤكداً: «إنه قرار تجاري لشركة تقدم هذا الخيار لمستخدميها ويمكن تغييره في أي وقت».

وبموجب مقترحات البرلمان الأوروبي، ستكون كل من السلطات الوطنية والمفوضية الأوروبية قادرة على تنفيذ قرارات التشريعات الجديدة، ويقول «جان بنفرات» من مجموعة EDRI للحقوق الرقمية ومقرها بروكسل: «ما نراه أن قواعد التنفيذ في المقترحات الجديدة أقوي من القواعد التي نراها في التشريعات الحالية لأنها أكثر مركزية، والجديد سيكون أن المفوضية الأوروبية سيكون لديها السلطة لتولي القضايا عندما يكتشفون أن المنظمين في البلدان المختلفة ليسوا على مستوى المهمة».

باختصار، قد يستغرق الأمر وقتاً حتى يتم تنفيذه، وربما لا يكون حلاً مثالياً، ولكن «جيس» عضو البرلمان الأوروبي تجادل بأن التشريع الجديد سيكون خطوة أولى مهمة نحو إصلاح النظام الحالي إذا تم اعتماد النسخة التي وافق عليها البرلمان الأوروبي، كما أن الحلول التي تعمل على تطويرها الشركات وصناعة الإعلانات حالياً ليست واقعاً يمكن التعامل معه بتشريعات في هذه المرحلة، وأنه عندما يحصل ذلك سيري البرلمان كيف يواجه الوضع الجديد، فلا شيء متوقع في هذا العالم المتغير بشكل سريع.