الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

هل ينجح حظر المتطرفين على الإنترنت؟

هل ينجح حظر المتطرفين على الإنترنت؟
مر أكثر من عام منذ قرار العديد من شبكات التواصل الاجتماعي مثل: فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، حظر مجموعة من الشبكات الأكثر تطرفاً في الولايات المتحدة مثل «كيو أنون» و«بوجالو» وغيرها، والتي ازدهرت بالنشاط والأعضاء حتى يوم 6 يناير 2021 وهو يوم اقتحام مبني الكابيتول في العاصمة الأمريكية واشنطون، في نفس الوقت تقريباً، حظرت الشبكات الاجتماعية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي توجهت إليه أصابع الاتهام بتضخيم هذه الجماعات وتحريضها على العنف.

«تروث سوشيال» ترامب

وبينما يبدو ترامب على وشك العودة إلى نشاطه عبر الشبكات الاجتماعية مع الإعلان عن إطلاق شبكته الخاصة «تروث سوشيال» يبقى السؤال: هل نجح تجريد الجماعات المتطرفة من سلاح الانتشار عبر منصات التواصل في إيقاف أفكارها؟ هناك الكثير من الأدلة أن قرار المنع حد كثيراً من وجودها ومستوى تأثيرها عبر الشبكة، ولكن من الصعب للغاية قياس أثر هذه القرارات على أنشطتها وعضويتها خارج شبكة الإنترنت.


بعد الحظر على المنصات الشهيرة، رحلت تلك المجموعات إلى منصات بديلة مثل: «تيليجرام»، و«بارليه»، و«جاب» وغيرها، ويرى كثير من الباحثين أنهم واجهوا صعوبة أكبر في زيادة أعدادهم على الإنترنت بنفس المعدل الذي كانوا عليه عندما كانوا يتواجدون على المنصات الأكثر شيوعاً، وعلى الرغم من أن آثار المنع يصعب قياسها بالكامل، فإن العديد من الدراسات الأكاديمية خلال السنوات القليلة الماضية حول هذه الظاهرة، بالإضافة إلى البيانات التي تجمعها مراكز الأبحاث المتخصصة تدعم ملاحظات هؤلاء الخبراء.


نطاق الجماعات تضاءل

ترى ريبكا تروميل، مدير معهد البيانات والديمقراطية والسياسة بجامعة جورج واشنطون الأمريكية، في تصريحات لموقع «ريكود» أن النطاق الواسع لهذه الجماعات تضاءل بشكل واضح، قائلة: «نعم، ما زالت جماعات التطرف تعمل من خلال المنصات البديلة، ولكن من خلال التقييم الأوليّ، فإن المنصات الأساسية هي المهمة، وذلك لأن المتطرفين يمكنهم الوصول إلى المزيد من الأشخاص عبر هذه المنصات، بالإضافة إلى القدرة على تجنيد المزيد من الأعضاء الجدد، كما يمكنهم التأثير على المناقشات والروايات السائدة بشكل لا يمكن عمله على المنصات البديلة الأكثر تخصصاً».

وكان فيسبوك وتويتر قد أزالا حسابات الجماعات المتطرفة محلياً بطريقة كاسحة، على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي طالت هذه المنصات بتأخر تلك الخطوة، وأنها جاءت كرد فعل، وعلى سبيل المثال حذف موقع تويتر ما يقرب من 70 ألف حساب مرتبط بجماعة «كيو أنون» في يناير 2021، وأكدت الشركة أنها منذ ذلك الحين قامت بإلغاء 100 ألف حساب إضافي.

حظر 55 ألف حساب

بينما أشار فيسبوك إلى أنه منذ قام بتوسيع سياسته ضد المنظمات الخطرة في عام 2020، فقد قام بحظر نحو 55 ألف حساب شخصي على المنصة، وأكثر من 20 ألف مجموعة مرتبطة بجماعات مسلحة، وأكثر من 50 ألف حساب شخصي و11 ألف صفحة عامة مرتبطة بجماعة «كيو أنون».

ولكن على الرغم من استمرار عمليات الحظر وتشديد سياسات النشر، فلا تزال بعض مساحات التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي خارج رادار الاكتشاف، خاصة في مجموعات فيسبوك وحسابات تويتر الشخصية. وحتي أوائل شهر يناير الماضي، كانت خوارزميات توصيات فيسبوك لا تزال تروج لمحتوى أعضاء الميليشيات الأمريكية، خاصة المجموعات التي تم اتهامها بالمشاركة في أعمال الشغب بمبني الكابيتول. ويرصد تقرير أصدرته مجموعة «مشروع الشفافية الرقمية» في واشنطون هذه الحقائق، مؤكداً أن المنصات الرئيسية ما زالت تعاني من الفشل في العثور على المحتوى المتطرف وإزالته بسرعة، وبمجرد نشر التقرير أعلنت فيسبوك أنها قامت بحذف تسع مجموعات من أصل عشرة ظهرت في التقرير.

الكلمات الرئيسية الشائعة

وتُظهر البيانات التي توصلت إليها مركز «زيجنال لابس» البحثي أنه بعد حظر شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسية لمجموعات «كيو أنون» انخفضت الإشارة إلى الكلمات الرئيسية الشائعة المرتبطة بها، وحجم منشوراتها والإشارات ذات الصلة بها بنسبة 30% خلال عام 2021 وذلك عبر فيسبوك وتويتر وريدات، بينما انخفضت الكثير من العبارات المباشرة المرتبطة بها بنسبة وصلت في بعض الأحيان إلى 88%.

وتشير هذه البيانات إلى أن إبعاد المجموعة عن المنصات الرئيسية ربما يكون قد عمل على تقليل المحادثات من قبل الأشخاص الذين يستخدمون هذه العبارات للحشد والتجميع، ومع ذلك فعلى الرغم من انخفاض المحادثات والتواصل بين أعضاء هذه المجموعات، فإن الحديث عنها بين الناس ووسائل الإعلام ازداد بنسبة كبيرة خلال عام 2021، ولكن أغلب هذه الأحاديث كانت تتعلق بنقد هذه المجموعات وتوضيح مخاطرها.

خلال السنوات القليلة الماضية، قامت العديد من الدراسات الأكاديمية بقياس التأثير الكمي لقيام شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسية بحذف حسابات تقوم بنشر محتوى عنيف أو بغيض أو مسيء، ووجدت بعض الدراسات أن إيقاف هذه الحسابات كان فعالاً على المدى القصير في تقليل تأثير وانتشار هذا الخطاب، ولكن بعض الدراسات الأخرى وجدت زيادة ملحوظة في السلوك السام الذي أظهره هؤلاء المستخدمون على منصات بديلة.

في الوقت نفسه، وجدت بعض الدراسات أن المستخدمين الذين هاجروا إلى منصات أخرى، غالباً ما يصبحون أكثر تطرفاً في مجتمعاتهم البديلة، حيث أدى الحظر من الشبكات الشعبية إلى رحيل أصحاب الأفكار المتطرفة إلى شبكات أقل شهرة مثل Chan4 وGab والتي تشتهر بكونها أكثر تساهلاً في نشر خطاب الكراهية المتطرف مقارنة بشبكات التواصل الاجتماعي الرئيسية.

انتخابات الكونجرس

وتعد عملية الحظر من الوجود على المنصات الاجتماعية الرئيسية إحدى أقوى الأدوات التي يمكن أن تستخدمها الشركات في التقليل من خطر العنف المبني على الآراء المتطرفة، وهي أكثر الطرق إثارة للجدل أيضاً، ودراسة وفهم تأثيرات هذه الخطوات مسألة بالغة الأهمية، خاصة في الفترات التي يسود فيها الانقسام المجتمعي على نطاق واسع، مثل موسم انتخابات الكونجرس الأمريكية هذا العام، وذلك أن مثل هذه الأحداث سوف تثير خطاباً سياسياً مثيراً للجدل وضاراً عبر الإنترنت، وفي الوقت نفسه، فإنها ستقوم باختبار فعالية سياسات المحتوى التي تطبقها شركات التواصل الاجتماعي.

ويمكن القول إن السبب الرئيسي وراء فاعلية أسلوب منع المستخدمين المتطرفين من المنصات في تقليص تأثير الجماعات المتطرفة هو الحجم الكبير لهذه المنصات، حيث يستخدم ما يقرب من 3 مليارات شخص فيسبوك، و2 مليار شخص يوتيوب، بالإضافة إلى نحو 400 مليون شخص يستخدمون منصة تويتر.

في الوقت نفسه، لا يستخدم الكثير من الأشخاص منصات التواصل الاجتماعي البديلة التي لجأ إليها المتطرفون بعد عملية الحظر الكبرى، وعلى سبيل المثال تقول منصة «بارليه» إن لديها 16 مليون مستخدم مسجل، وتمتلك «جيتر» 4 ملايين مستخدم، أما تطبيق التراسل «تيليجرام» الذي يعد بديلاً مثالياً لمجموعات التطرف، فيمتلك أكثر من 500 مليون مستخدم نشط شهرياً، كما كشفت أحدث البيانات، ولكن أقل من 10% من هذه القاعدة من الولايات المتحدة، وبذلك تفقد الجماعات المتطرفة المحلية فرصة الوصول إلى الجمهور الواسع من خلاله.

تويتر وحظر اليمين

إحدى الدراسات، حاولت رصد هذه القضية من خلال النظر فيما حدث عندما حظر «تويتر» عدة أسماء بارزة من نجوم اليمين المتطرف مثل أليكس جونز، وميلو بانوبوليس، وأوين بنجامين. وهي عمليات الحظر التي تمت في الفترة من 2016 إلى 2018، ووجدت الدراسة التي قامت بفحص التغريدات والمنشورات التي تشير إلى هذه الأسماء المؤثرة في الشهور الستة الأولى التي أعقبت حظرهم، أن هذه الإشارات تراجعت بمعدل وصل إلى 92% تقريباً على المنصات التي تم حظرهم منها.

ووجدت الدراسة أيضاً أن متابعي هؤلاء المؤثرين الذين ظلوا فاعلين على منصة تويتر أظهروا انخفاضاً في معدلات «التغريدات المسمومة» بنسبة 6% وهو انخفاض طفيف، ولكنه مؤثر من الناحية الإحصائية، ويحدد هذا المعيار التعليق السام بأنه «تعليق فظ أو غير محترم أو غير معقول ومن المحتمل أن يجعل المستخدم يخرج من المناقشة».

وجد الباحثون أيضاً أنه بعد حظر تويتر للمؤثرين من أصحاب الأفكار المتطرفة، فإن المستخدمين تحدثوا بشكل أقل عن الأيدولوجيات والموضوعات الشعبية التي يروج لها هؤلاء المؤثرون، على سبيل المثال كان «جونز» أحد الدعاة الرئيسيين لنظرية المؤامرة التي تقول إن حادث إطلاق النار على مدرسة ساندي هول كان عملية تمثيلية، وأجرى الباحثون نموذجاً للتراجع لقياس ما إذا كانت الإشارات إلى حادث المدرسة قد انخفضت بعد حظر جونز ووجدوا أنها انخفضت بنسبة 16% على مدار ستة أشهر منذ حظره.

خطاب الكراهية

ونظرت دراسة أخرى تعود لعام 2020، في تأثير حظر شبكة «ريدات» منتدي «ذا دونالد»، وهو منتدى شعبي لأنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تم إغلاقه عام 2020 بعد فشل مديريه في السيطرة على خطاب الكراهية وتحقير النساء والكثير من المحتوى البغيض الذي كانت تتم مشاركته، ووجدت الدراسة أن عمليات الحظر قللت بشكل كبير من العدد الإجمالي للمستخدمين الناشطين والوافدين الجدد والمنشورات على المنصات البديلة التي انتقل إليها هؤلاء المستخدمون.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها شبكة «فيسبوك»، فإنه ما يزال هناك تنظيمات مزعجة تنشط عبر المنصة، ولكنها غالبا لا تكون ملحوظة، حيث تدور أغلب الأنشطة المتطرفة عبر المجموعات الخاصة، والتي يصعب على الجمهور العادي والباحثين اكتشافها، إلا أن الشركة قالت في تصريحات صحفية، إن التشدد في سياسات الاستخدام مع المحتوى المتطرف كانت فعالة في تقليل الحجم الإجمالي لخطاب العنف والكراهية عبر منصتها.