2019-08-03
لا يدرك غالبية مستخدمي أدوات التكنولوجيا الحديثة (موبايل - إنترنت) حجم البيانات والمعلومات التي يتطوعون بتقديمها لشركات التكنولوجيا والاتصال في كل لحظة تقريباً، ولا يدركون بطبيعة الحال أهمية وقيمة هذه البيانات، ولا الأساليب المختلفة التي يمكن استغلال هذه البيانات بها، في حقيقة الأمر يترك كل منا ما يسمى بـ «الآثار الرقمية» كل لحظة تقريباً، فكل عملية شراء إلكتروني، وكل عملية بحث عبر محرك غوغل، وكل خطوة يخطوها الإنسان في الشارع وهو يحمل الموبايل، وكل «لايك» يضغطه الإنسان على «فيسبوك» تتحول إلى معلومة ترتبط بهذا الشخص وتحدد ملامح شخصيته.
تحت هذا الركام الهائل من البيانات التي تتضخم كل لحظة، تقبع ملفات كاملة للمستخدمين الغافلين، ومع وجود البرمجيات المناسبة، والدوافع الواضحة، والهيئات أو الأشخاص القادرين على الدفع المادي، يصبح استخدام هذه البيانات في جميع الأغراض مسألة لا توقفها أي حدود، وهو الأمر الذي ثبت عملياً وبالدليل القاطع على يد شركة «كامبريدج أنالاتيكا» البريطانية بداية من الاستهداف بالإعلانات ووصولاً إلى انتخاب القيادات السياسية في الولايات المتحدة، وتحويل مسار أمة كاملة كما حدث في بريطانيا مع «بريكسيت».
قضية «كامبريدج أنالاتيكا» وما تفرع عنها من مناقشات وإجراءات لحماية البيانات الشخصية للمستخدم عادت إلى الواجهة بقوة في الفترة الماضية مع بدء عرض فيلم «الاختراق الكبير» The Great Hack الذى أنتجته شركة «نتفليكس» ليعرض بشكل بصري متطور القصة الكاملة وراء حصد بيانات المستخدم واستخدامها دون علمه لرسم بروفايل كامل عن شخصيته، ثم استغلال تلك المعرفة في استهدافه لتغيير موقفه السياسي.
بدأ الظهور الإعلامي للشركة البريطانية مع انطلاق انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، وبالتحديد في 19 سبتمبر قبل شهر واحد من فتح أبواب الاقتراع، حيث ظهر «ألكسندر نيكس» مدير الشركة في مؤتمر يضم صانعي القرار من معظم أنحاء العالم ليتحدث عن الاستراتيجية الرقمية الجديدة للمرشح الرئاسي دونالد ترامب.
ومن فوق المنصة بدأ نيكس الحديث عن القدرات الخارقة للشركة والتي ترتكز بالأساس على «البيانات الرقمية الضخمة» وكذا البروفايل النفسي للمستخدمين.
تحدث نيكس عن النجاح الساحق الذي حققته الشركة مع تولي حملة السيناتور تيد كروز المرشح في الانتخابات التمهيدية والذي بدأ دون شعبية تقريباً قبل يحقق عدة انتصارات ساحقة خصوصاً في ولاية أيوا قبل أن يتخلى عن السباق، وأرجع نيكس هذا النجاح إلى اعتماد مفهوم «الاستهداف المباشر» للناخب، وذلك بعد تكوين ملايين البروفايلات الشخصية لكل مصوت، وبالتالي استهدافه بالحملات الدعائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالأساس والنجاح في توجيهه للتصويت المطلوب.
في تلك الجلسة، أطلق نيكس قنبلة في وجه الحضور، عندما أعلن بفخر عن نجاح شركته في تشكيل نموذج يتنبأ بشخصية وسلوك كل شخص بالغ في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من 220 مليون شخص، الأمر الذي جعل باستطاعتها استهداف كل مواطن فرد بما يناسب شخصيته، ورغم الحديث عن العديد من مصادر البيانات التي يتم تجميع المعلومات منها، إلا أن المصدر الأساسي لهذا الفيضان المعلوماتي كان شبكة «فيسبوك».
نفس الأسلوب تم استخدامه على نطاق أوسع خلال حملة ترامب الانتخابية، لدرجة القول إن كل رسالة كانت تعرضها حملة المرشح كانت تعتمد على البيانات الضخمة، وعلى سبيل المثال، في المناظرة الرئاسية الثالثة بين ترامب وهيلارى كلينتون اختبر فريق ترامب 175 ألف تنوعية إعلانية مختلفة لحواراته وذلك بهدف الوصول إلى أكثر نسخة تلائم «فيسبوك». وكانت الاختلافات بين هذه النسخ تتعلق بالتفاصيل الدقيقة بداية من الألوان وحتى شكل العناوين.
المذهل في هذا الأسلوب هو القدرة ليس فقط على استهداف مجموعات بعينها، أو سكان منطقة، أو حتى جماعة عرقية معينة، ولكن الوصول لدرجة استهداف المواطن الفرد بما يناسبه شخصياً، والأكثر ذهولاً أن يرتكز هذا الأمر في الأغلب على النشاط الرقمي الاعتيادي للمواطن، أما النتيجة النهائية فيعرفها العالم حيث وصل ترامب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض على عكس جميع التوقعات واستطلاعات الرأي.
ويعتبر فيلم «الاختراق الكبير» هو الأول من نوعه الذي يتناول فضيحة «كامبريدج أنالاتيكا» التي سيطرت على عناوين الصحف في معظم الدول لمدة عامين بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو فيلم تسجيلي يعتمد على رصد الأحداث الواقعية بطريقة فنية، وتبدأ أحداثه عندما تنتشر الأخبار عن قيام الشركة البريطانية بالاستخدام غير المشروع لبيانات الملايين من مستخدمي فيسبوك واستخدامها لاستهداف الناخبين المترددين في كلٍّ من الانتخابات الأمريكية واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم يتابع تداعيات هذه الأخبار عبر قصة الأستاذ الجامعي «ديفيد كارول» ومحاولته مقاضاة الشركة لاستعادة بياناته منها، وأيضاً من خلال التركيز على «بريتانى كايزر» الموظفة السابقة في الشركة والتي اتخذت قراراً غير متوقع بفضح ممارساتها.
ومن خلال السرد المدروس، والرسوم المستوحاة من «الإيموجي» يكشف الفيلم عن الآثار الرقمية التي نتركها كل يوم في فضاء الإنترنت عندما نرسل بريداً إلكترونياً أو نستخدم محركات البحث أو نعلق على منشور عند أحد الأصدقاء أو نضغط زر الإعجاب على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يكشف بوضوح كيف تُستخدم كل القطع المتناثرة لرسم شخصية كل مستخدم للتكنولوجيا واستخدامها بعد ذلك ضده بأشكال مختلفة بداية من الحملات الإعلانية لبيع المنتجات، ونهاية بالتوجيه للتصويت في اتجاه معين، وفقاً لرغبات من قام بدفع ما يكفى من الأموال لجمع الخيوط الرقمية لكل شخص ونسجها في شبكة خاصة لتحقيق أهدافه.
يكشف الفيلم أيضاً عن حملة سياسية نفذتها «كامبريدج أنالاتيكا» بنجاح في «ترينداد وتوباجو» التي كانت تشهد استقطاباً سياسياً كبيراً، لتظهر هناك فجأة حملة شبابية بدا للوهلة الأولى أنها محلية بالكامل وتعبر عن قطاع واسع من الشباب قبل أن يتم الكشف لاحقاً عن أن هذه الحملة كانت مصنوعة بالكامل على يد الشركة البريطانية باستخدام آليات الخداع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف استغلال التوترات العرقية لتحقيق نتيجة محددة في الانتخابات السياسية.
تلك القصة المذهلة، تكشف بوضوح أكبر لكل منا تعقيدات مشهد البيانات الشخصية، وتضع الجمهور العادي في قلب عمليات تتبع البيانات وجمعها وبيعها، وتظهر بجلاء أن البيانات هي اليوم أغلى منتج يملكه العالم، وأن الحروب والتلاعب السياسي والخداع اليوم وفى المستقبل ستعتمد عليها بشكل كبير، وأن المجتمع الدولي مطالب بتشديد التشريعات التي تحافظ على حق المواطن في بياناته الشخصية وضمان ألا تتلاعب بها شركات وجهات مشبوهة، وهو أمر سيحتاج لبذل الكثير والكثير من الجهد.
تحت هذا الركام الهائل من البيانات التي تتضخم كل لحظة، تقبع ملفات كاملة للمستخدمين الغافلين، ومع وجود البرمجيات المناسبة، والدوافع الواضحة، والهيئات أو الأشخاص القادرين على الدفع المادي، يصبح استخدام هذه البيانات في جميع الأغراض مسألة لا توقفها أي حدود، وهو الأمر الذي ثبت عملياً وبالدليل القاطع على يد شركة «كامبريدج أنالاتيكا» البريطانية بداية من الاستهداف بالإعلانات ووصولاً إلى انتخاب القيادات السياسية في الولايات المتحدة، وتحويل مسار أمة كاملة كما حدث في بريطانيا مع «بريكسيت».
قضية «كامبريدج أنالاتيكا» وما تفرع عنها من مناقشات وإجراءات لحماية البيانات الشخصية للمستخدم عادت إلى الواجهة بقوة في الفترة الماضية مع بدء عرض فيلم «الاختراق الكبير» The Great Hack الذى أنتجته شركة «نتفليكس» ليعرض بشكل بصري متطور القصة الكاملة وراء حصد بيانات المستخدم واستخدامها دون علمه لرسم بروفايل كامل عن شخصيته، ثم استغلال تلك المعرفة في استهدافه لتغيير موقفه السياسي.
بدأ الظهور الإعلامي للشركة البريطانية مع انطلاق انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، وبالتحديد في 19 سبتمبر قبل شهر واحد من فتح أبواب الاقتراع، حيث ظهر «ألكسندر نيكس» مدير الشركة في مؤتمر يضم صانعي القرار من معظم أنحاء العالم ليتحدث عن الاستراتيجية الرقمية الجديدة للمرشح الرئاسي دونالد ترامب.
ومن فوق المنصة بدأ نيكس الحديث عن القدرات الخارقة للشركة والتي ترتكز بالأساس على «البيانات الرقمية الضخمة» وكذا البروفايل النفسي للمستخدمين.
تحدث نيكس عن النجاح الساحق الذي حققته الشركة مع تولي حملة السيناتور تيد كروز المرشح في الانتخابات التمهيدية والذي بدأ دون شعبية تقريباً قبل يحقق عدة انتصارات ساحقة خصوصاً في ولاية أيوا قبل أن يتخلى عن السباق، وأرجع نيكس هذا النجاح إلى اعتماد مفهوم «الاستهداف المباشر» للناخب، وذلك بعد تكوين ملايين البروفايلات الشخصية لكل مصوت، وبالتالي استهدافه بالحملات الدعائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالأساس والنجاح في توجيهه للتصويت المطلوب.
في تلك الجلسة، أطلق نيكس قنبلة في وجه الحضور، عندما أعلن بفخر عن نجاح شركته في تشكيل نموذج يتنبأ بشخصية وسلوك كل شخص بالغ في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من 220 مليون شخص، الأمر الذي جعل باستطاعتها استهداف كل مواطن فرد بما يناسب شخصيته، ورغم الحديث عن العديد من مصادر البيانات التي يتم تجميع المعلومات منها، إلا أن المصدر الأساسي لهذا الفيضان المعلوماتي كان شبكة «فيسبوك».
نفس الأسلوب تم استخدامه على نطاق أوسع خلال حملة ترامب الانتخابية، لدرجة القول إن كل رسالة كانت تعرضها حملة المرشح كانت تعتمد على البيانات الضخمة، وعلى سبيل المثال، في المناظرة الرئاسية الثالثة بين ترامب وهيلارى كلينتون اختبر فريق ترامب 175 ألف تنوعية إعلانية مختلفة لحواراته وذلك بهدف الوصول إلى أكثر نسخة تلائم «فيسبوك». وكانت الاختلافات بين هذه النسخ تتعلق بالتفاصيل الدقيقة بداية من الألوان وحتى شكل العناوين.
المذهل في هذا الأسلوب هو القدرة ليس فقط على استهداف مجموعات بعينها، أو سكان منطقة، أو حتى جماعة عرقية معينة، ولكن الوصول لدرجة استهداف المواطن الفرد بما يناسبه شخصياً، والأكثر ذهولاً أن يرتكز هذا الأمر في الأغلب على النشاط الرقمي الاعتيادي للمواطن، أما النتيجة النهائية فيعرفها العالم حيث وصل ترامب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض على عكس جميع التوقعات واستطلاعات الرأي.
ويعتبر فيلم «الاختراق الكبير» هو الأول من نوعه الذي يتناول فضيحة «كامبريدج أنالاتيكا» التي سيطرت على عناوين الصحف في معظم الدول لمدة عامين بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو فيلم تسجيلي يعتمد على رصد الأحداث الواقعية بطريقة فنية، وتبدأ أحداثه عندما تنتشر الأخبار عن قيام الشركة البريطانية بالاستخدام غير المشروع لبيانات الملايين من مستخدمي فيسبوك واستخدامها لاستهداف الناخبين المترددين في كلٍّ من الانتخابات الأمريكية واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم يتابع تداعيات هذه الأخبار عبر قصة الأستاذ الجامعي «ديفيد كارول» ومحاولته مقاضاة الشركة لاستعادة بياناته منها، وأيضاً من خلال التركيز على «بريتانى كايزر» الموظفة السابقة في الشركة والتي اتخذت قراراً غير متوقع بفضح ممارساتها.
ومن خلال السرد المدروس، والرسوم المستوحاة من «الإيموجي» يكشف الفيلم عن الآثار الرقمية التي نتركها كل يوم في فضاء الإنترنت عندما نرسل بريداً إلكترونياً أو نستخدم محركات البحث أو نعلق على منشور عند أحد الأصدقاء أو نضغط زر الإعجاب على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يكشف بوضوح كيف تُستخدم كل القطع المتناثرة لرسم شخصية كل مستخدم للتكنولوجيا واستخدامها بعد ذلك ضده بأشكال مختلفة بداية من الحملات الإعلانية لبيع المنتجات، ونهاية بالتوجيه للتصويت في اتجاه معين، وفقاً لرغبات من قام بدفع ما يكفى من الأموال لجمع الخيوط الرقمية لكل شخص ونسجها في شبكة خاصة لتحقيق أهدافه.
يكشف الفيلم أيضاً عن حملة سياسية نفذتها «كامبريدج أنالاتيكا» بنجاح في «ترينداد وتوباجو» التي كانت تشهد استقطاباً سياسياً كبيراً، لتظهر هناك فجأة حملة شبابية بدا للوهلة الأولى أنها محلية بالكامل وتعبر عن قطاع واسع من الشباب قبل أن يتم الكشف لاحقاً عن أن هذه الحملة كانت مصنوعة بالكامل على يد الشركة البريطانية باستخدام آليات الخداع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف استغلال التوترات العرقية لتحقيق نتيجة محددة في الانتخابات السياسية.
تلك القصة المذهلة، تكشف بوضوح أكبر لكل منا تعقيدات مشهد البيانات الشخصية، وتضع الجمهور العادي في قلب عمليات تتبع البيانات وجمعها وبيعها، وتظهر بجلاء أن البيانات هي اليوم أغلى منتج يملكه العالم، وأن الحروب والتلاعب السياسي والخداع اليوم وفى المستقبل ستعتمد عليها بشكل كبير، وأن المجتمع الدولي مطالب بتشديد التشريعات التي تحافظ على حق المواطن في بياناته الشخصية وضمان ألا تتلاعب بها شركات وجهات مشبوهة، وهو أمر سيحتاج لبذل الكثير والكثير من الجهد.