الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

هل زالت الدهشة؟

هل زالت الدهشة؟

سليمان الظهوري

الجميع انبهر بمواقع التواصل الاجتماعي في بدايتها قبل نحو عشر سنوات، واستمر هذا الانبهار طويلاً مصحوباً بالكثير من الانجذاب والارتباط الذي تحول فعلياً إلى إدمان جماعي، هذه المواقع لها سحرٌ عجيب، تتجوّلُ من خلالها في أنحاء العالم، تتصلُ بمستجدات الأحداث والأخبار، تطالع يوميات الناس، توثّق وتتشارك أروع اللحظات، تقطف من بساتين المعارف والعلوم، تقرأ الأدب وتشاهد الإبداع وتسمع الفن ويفتنُك الجمال، تبهرك زاوية التصوير، وتدهشك دقة التصنيع وحركة الآلات، تُمارس شغفك وإبداعك، ترسلُ كلمة صادقة وتُسدي نصائحَ مخلصة، تشاهد ما ينعشُ الذكريات الجميلة، وتلمس بارقة أمل إنسانية خيِّرة.

هذه المواقع تجعلك تتواصل وتتفاعل بكل سهولة، تؤثر وتتأثر، تحققُ شيئاً من الذات والمكانة وربما المال والشهرة، تبدأ في تكوين مجتمعك الافتراضي وتشعر أكثر بقيمتك، تحظى بالاهتمام والإعجاب والإشادة، تطرح رأيك وتدافع عن قضيتك، تُتابع السياسة والاقتصاد وأخبار المؤسسات وحِراكها، تتابع الرياضة والثقافة والفن، العلوم والتقنية، وكل شيء يشد انتباهك ويلائم ميولك، إنه عصر السرعة والاختصار، عصر الصورة والصوت والمقطع المرئي.

لكن مع كل هذه المزايا أقول لكم لقد زالت الدهشة، تعوّدنا أن لكل شيء في بدايته بريق، ثم ما يلبث أن ينطفأ ذاك البريق أو على الأقل تنخفض درجة توهجه، وأعتقد أن ذلك قد حصل لنا مع مواقع التواصل، كما كان قد حصل سابقاً مع المذياع والتلفاز والإنترنت، لم نعد مندهشين بمواقع التواصل كما كنّا في بدايتها، اعتدنا على كل شيء فيها، حتى المزايا الحديثة لم تعد تدهشنا كالسابق، أصبح كل شيء متوقع الحدوث، لم نعد نترقب كل صغيرة وكبيرة، ولَم تعد تلك الشاشات تبهرنا كالسابق.


نعم لا نزال مشغولين بها ونجد فيها الكثير من التفاعل والتسلية وحتى المعرفة وقضاء الاحتياجات، ولكن لم تعد مدهشة كبداياتها، ومع ذلك حتى وإنْ زالت دهشة البدايات إلا أن المزايا باقية ما يجعل ارتباط الناس بهذه الوسائل مستمراً إلى أن يظهر شيء جديد، وفي نظري ظاهرة إدمان مواقع التواصل ستستمر على صعيد المجتمع ككل، لكن يمكن التخلص منها على صعيد الأفراد الراغبين في ذلك، أي أن هذه الوسائل ستظل متسيدة المشهد في المجتمع، إلا أن كل فرد يرغب في التخلص من إدمانها سيكون بإمكانه ذلك، من خلال الاقتناع أولاً أن الحياة على أرض الواقع أجمل بكثير من الحياة الافتراضية، وأن تقنين استخدام مواقع التواصل لن يُفقدك الكثير، ومن خلال اتخاذ خطوات عملية ثانياً تتمثل في إشغال وقتك بالمفيد كالرياضة والقراءة والهوايات وتعلم المهارات والمشاركات التطوعية وغيرها.


[email protected]