الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الأم وماسورة الحياة

الأم وماسورة الحياة
لا بد من أن يكون هناك خزي في مهنة الطب، ذلك الخزي الذي يجبرك على ألا تحترم هذا الطبيب، تماماً كما هناك خزي في أي مهنة أخرى، ولكن الطب مهنة إنسانية عظيمة، لذا، فوقع الخزي حين يخطأ الطبيب مهين للغاية بأي شكل ممكن لك أن تتصوره.

مهنة الطب الوحيدة التي عليك أن تدفع بها كل ما لديك من خبرة ومهنية، حتى لا تفرط في حياة من جاءك طلباً للعلاج، حدثتني صديقة لي وقد عاشت بضعة أعوام في باكستان، ذلك البلد الذي لا أعلم عنه غير السياسة التي تنخر فيه، كيف أن الأطباء هناك يؤمنون إيماناً قاطعاً بأنه لو كان لدى المريض أمل في أن يعيش ولو ليوم واحد فقط، فإنه يقوم بذلك من دون أي تردد، تذكرت الطبيب الذي كان يفتح ستارة غرفة والدي - رحمه الله - في المستشفى، ويقول لي بكل قسوة «فلندعه يرحل، فلا فائدة من بقائه»!

ذات مرة جاءت امرأة برفقة زوجها لأحد مستشفيات باكستان، تنزف بعد أن قامت الداية في بيت الزوج وبموافقة من كلا الطرفين، أهل الزوجة وأهل الزوج، بأن تقوم بإسقاط الجنين بعد أن علمت الأسرة أنها ستكون البنت الرابعة، لقد رضخت الزوجة لقسوة المجتمع، الخبر لم يكن مبهجاً أن تأتي الزوجة ببنت أخرى، الداية الجاهلة لأدق تعاليم الطب الحديث، أدخلت يدها في رحم المرأة ولم تخرج الجنين فقط، لكنها للأسف سحبت أيضاً مصارين الزوجة معها، في ظل صراخ المرأة التي كان الزوج وأسرتها بأكملها شاهدة على مرارة تلك اللحظات المُرة والقاسية، حينما وصلت إلى غرفة العمليات، تأكد الطبيب أنه لا يمكن للزوجة أن تعيش، فطلبت منهم أن يفعلوا المستحيل لكي تعيش فقط حتى تؤهل بناتها الثلاث للحياة المقبلة، فوضع الدكتورة ماسورة تحل بدلاً من الأمعاء، وخلال الفترة التي عاشتها، أهلت بناتها ليرين الحياة بعين الأم، فطلبت منهن أن يسمعن كلام أختهن الكبرى، وأنها هي من ستحل بدلاً عنها، وطلبت منهن ألا يسمعن صراخ المجتمع، وأن يتمسكن بموقفهن في اختيار حياتهن، أربعة أشهر أمضتها الأم وهي على سرير المرض، ولم يكن الطعام الذي يعطى لها من فمها يبقى في جسدها، فقد كان يخرج كما هو، لم تتوانَ الأم وهي ترزح تحت أشد المعناة والمرض، في تعليم بناتها كل ما يمكنه أن يجعلهن واثقات من مواجهة مصاعب الحياة، وكيف لهن أن يعشن من دون وجود ظلالها، وكيف لهن أن يتدبرن حياتهن بشكل صحيح، وبعدها رحلت.


فلنعطِ المريض آخر فرصة للتشبث بالحياة.


[email protected]