الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

شقاء الوعي

شقاء الوعي
يقول فولتير «لقد قلت لنفسي مئة مرة إنني سأصير سعيداً لو كنت ببلاهة جارتي، ومع ذلك فإنني لا أرغب في سعادة كتلك».

رغم اللهجة الفوقية الواضحة في هذه المقولة، إلا أنها تبقى من وجهة نظري صادقة جداً، وتعبر بذكاء عن معاناة أصحاب الوعي السامي، في المجتمعات التي يغلب على أفرادها الوعي المنخفض.

لا أستبعد أبداً أن تكون الجارة المذكورة أعلاه شخصية وهمية، لا وجود لها على أرض الواقع.. اختلقها فولتير لكي يستعين بها على وصف حالة المعاناة التي يمر بها، والناتجة بطبيعة الحال عن عدم تأقلمه مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ولا يشعر بالانسجام، أو التوافق معه.


هذه المعاناة لا يمكن اقتصارها على فولتير، أو محيطه الاجتماعي، أو إطاره الزمني.. بل هي أزمة ممتدة في جميع الأماكن، وعبر كل العصور.. فأصحاب الوعي السامي لا يشعرون بالراحة، وهم يعيشون وسط مجتمعات لا تفهمهم.. وأصحاب الوعي المنخفض يشعرون بالخطر تجاه أي طرح غير مألوف، يتجاوز حدود استيعابهم.. ويبقى أصحاب الوعي المرتفع في المستوى الوسط.. يميلون إلى هؤلاء تارة، وإلى أولئك تارة.


لو كنت مكان فولتير، لن أتذمر كثيراً من هذا الوضع.. وسألجأ غالباً إلى تبسيط أفكاري، والتعبير عنها بألطف صورة ممكنة.. وبعدها سأنأى بنفسي عن أي جدال.. أي بعبارة أخرى.. سأقول ما عندي، وأمشي.. وسأحتفظ بكامل طاقاتي الذهنية والجسدية لمواصلة الدراسات والأبحاث، ولن استهلكها في جدالات بيزنطية تخصم أكثر مما تضيف.. فأخطر ما يواجه أصحاب الوعي السامي، هو استهلاك طاقاتهم في جدالات تخرجهم من عالمهم الجميل، و تجرهم رغماً عنهم إلى الأسفل.

[email protected]