الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

توجيه العمل الخيري

مررت ذات مرة بمشاكسة افتراضية، أطلقها أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، في أحد الحسابات الإخبارية، تعقيباً منه على خبر داخلي، يفيد بفوز أحد الأشخاص بسحب المليون دولار، وعلى ما أذكر، كان سحباً للسوق الحرة لمطار أبوظبي.

فكتب مخاطباً رواد الموقع: «أنا أريد أن أصبح مليونيراً، وجميعنا يمكننا أن نصبح من أصحاب الملايين، فلو قام كل سكان دولة الإمارات بالتبرع لي بدرهم واحد، وكل واحد منا تبرع للآخر بدرهم، فبذلك سنصبح جميعنا مليارديرية».

للوهلة الأولى، حسبته معتوهاً، ولكن، حينما قلبّت «عرضه» في رأسي، وجدت فيه الكثير من المنطقية، حقيقة، لا نريد أن نصبح «مليارديرية» عبر الاستجداء ولو بدرهم واحد، ولكن، وبالمقابل، لو بادر كل واحد منا، وبشكل طوعي، وقام بالاستغناء عن درهم أو درهمين أو خمسة دراهم، ووضعها في صندوق مخصص لمساعدة حالة إنسانية أو حالة اجتماعية تستحق الإعانة، وإن كانت تتمتع بالكثير مما يتمتع به الكثير منا من سبل العيش الكريم، ولكنها، في جانب ما تجدها «معسرة»، وبسبب التعفف وقلة الحيلة وضيق ذات اليد، يؤثرون التكتم عن حاجتهم للمساعدة، في وقت باستطاعتنا مد يد العون لهم، في بادرة تعد من أسمى وأنبل صور البر والتكافل الاجتماعي.


فالكثير من أصحاب الأموال، وللأسف الشديد، اعتادوا على توجيه زكاة أموالهم وما تجود به أيديهم لوجهة معينة أو لأشخاص معلومين لديهم دون سواهم، بينما، هنالك، العديد ممن يستحقون تلك الأموال مع ثبات الأجر والثواب، فمن يستمع إلى أحد البرامج الإذاعية، فسيجد أن هناك العديد من الحالات المجتمعية «عاجزة» بشكل وبآخر عن الإنفاق، وبحاجة ماسة إلى المساعدة المالية، وهنا، لسنا بصدد تقويض عمل المؤسسات الخيرية، ولكننا نتطلع إلى شراكات جديدة إلى جانب ما تضطلع به مؤسسات وهيئات العمل الخيري في الدولة من أدوار عظيمة وجليلة في مجالات العمل الإنساني على كافة الصعد سواء في الداخل أو على مستوى العالم.


لا شك أن الخطة الوطنية لتوجيه العمل الخيري في الداخل، فتحت نوافذ جديدة للعمل الخيري ولفت المجتمع إليها، في أوجه وسبل قد تكون شبه غائبة عن الكثير من المحسنين من رجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني أو حتى من الأفراد الموسرين الساعين في دروب الخير حيثما كان دون شروط أو تمييز، طالما الغاية هي الأجر والثواب، لتحقيق الاكتفاء الداخلي وتكريس قيم التكاتف والتكافل الاجتماعي على نطاق أوسع.

في حلقتين متتاليتين، من برنامج «القول الفصل» على إذاعة أبوظبي، الأسبوع المنصرم، من تقديم الدكتور وسيم يوسف، تم طرح موضوع في غاية الأهمية، وهو، عجز بعض الأسر المقيمة عن دفع رسوم المدارس الخاصة لأبنائها، والتي أصبحت من الهموم الشائعة والكبيرة بين المواطنين والأخوة المقيمين على حد سواء، والتي، دفعت بالعديد من المقيمين ممن تعذر عليهم الإيفاء بالتزاماتهم المادية لتعليم أبنائهم، إلى إبقائهم مجبرين في البيت بلا دراسة، وهي مشكلة إنسانية كبيرة لها ما لها من أثارها السلبية الوخيمة على الأسرة وعلى الطالب وعلى المجتمع ككل.

فالتعليم حق من حقوق الابن، وأمام تلك الحالات، لا يمكن التخاذل، فكلنا مسؤولون، ومن الواجب على كل مقتدر أن يسعى جاهداً في هذا الجانب، والذي يعد واحداً من أرقى الأعمال الخيرية والإنسانية، بل يعد من الأولويات، ومن الحالات المستحقة للمساعدة العاجلة، فلو كل مقتدر تكفل بمصاريف دراسة طالب أو طالبين، لما بقي محروم من تعليم، واستطعنا أن نأخذ بيد تلك العوائل المتعففة، ونحمل معهم شيئاً من أعباء الحياة.

[email protected]