الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

مفهوم الحرية!

مفهوم الحرية!

منى الرئيسي

على ما يبدو نحن بحاجة إلى التذكير من جديد بمفهوم الحرية على مختلف أشكالها، حتى لا يساء استخدام هذه الحاجة الفطرية التي طالما ارتبطت بكرامة الفرد والجماعة في محيطنا العربي وفق تطبيقاتها المطلقة منها والمقيدة.

فالكل بات يرفع شعارات الحرية من دون النظر إلى ما له وما عليه، ويعمم أفكاره الشخصية القائمة على حدود المعرفة الدنيا في وسائل اتصالية لا رقيب عليها ولا حسيب، تؤجج ذوي الفهم السطحي على نظامهم الاجتماعي الذي يجب أن يُعامل بذكاء ليقاد نحو التغيير الإيجابي.

ووسط ارتفاع الأصوات العالمية المنادية بالحريات لا بد من أن يكون هناك وعي لدى أفراد المجتمع بتصنيفات الحرية التي يرتبط بعضها بالفرد كحرية إبداء الآراء الشخصية والملكية واختيار مكان العيش والعمل وما يتبعها من حقوق مدنية وسياسية تضمن تحقيق المصالح الشخصية للفرد، والأخرى المرتبطة بالجماعة والتي غالباً ما تكون تنظيمية مربوطة بالدستور والقوانين والتشريعات .. وإن عدنا للأصل لا ننسى أن ديننا الإسلامي منذ أكثر من 1400 عام أنصف الحريات وحرر المستضعفين من العبوديات.


إذا قلبنا قليلاً في التاريخ فسنجد أنه عند إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة عام 1948 رفضت بعض الدول التوقيع عليه لأنه يقدم «حريات تهدد المصلحة الجماعية»، فمثلاً في فرنسا منع ارتداء النقاب وغيره من وسائل إخفاء الهوية لدواعٍ أمنية تهم مصلحة الجماعة رغم أنها تتعارض مع المصلحة الشخصية للفرد.


وحتى نبسط الأمر أكثر نشبهه بمنع رفع صوت الموسيقى الصاخبة في البيت بشكل يؤذي راحة الجيران لأنه هنا تنتهي حرية الفرد بمجرد المساس بحريات الآخرين فتخرج من نطاقها المطلق إلى المقيد الإيجابي.

إذاً المجتمعات العربية بحاجة إلى تنويرها أكثر في المسائل المتعلقة بالحريات حتى لا يصطاد الآخرون في المياه العكرة فتصدر التقارير المشوهة للحقائق في الدول التي تقطع أشواطاً كبيراً في الحقوق التي تكفلها لفئات المجتمع المختلفة وعلى رأسها المرأة، وهنا لا بد من تفعيل خطابات تعزز الوعي بهذه الحريات وحدودها والقوانين الحامية لها بما لا يحدث ردة فعل مجتمعية غير متوقعة وقائمة على المفاهيم القبلية لا المنطقية والقانونية.

وما يعكس الحاجة لهذا الوعي هو ندرة المطبوعات الخاصة بهذا الشأن ربما خوفاً من مقص الرقيب والقيود السياسية والاجتماعية والفكرية في بعض المجتمعات، إلى جانب قلة الاهتمام بتحليل التقارير الخاصة بجوانب التنمية الإنسانية ونشرها للعامة وهو الأمر الذي إن عولج إعلامياً بالطريقة الصحيحة فسيعزز جهود الدول التي تخطي خطوات كبيرة نحو تطبيق أشمل للحريات فإتاحة معلومات كهذه للعامة يرفع مستوى الوعي والمعرفة لديهم ويجعلهم أكثر إدراكاً لحقوقهم وواجباتهم ولا يجعل منهم فرائس سهلة للمنادين الزائفين بمفاهيم الحرية لدواعٍ مبطنة تخريبية.

[email protected]