الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كلُّ إناءٍ بما فيهِ ينضحُ

من الأدب الشعبي الشفاهي، أميل إلى الأمثال كثيراً، ليس لسهولة حفظها أو لشدة اختزالها وحسب، بل لأنها الفن الأدبي الشعبي الذي استطاع أن يضع النقاط على الحروف في يوميات الشعوب ويصيب المعنى فيها بدقة، لذلك، تجده الأكثر تداولاً من بقية الفنون الأدبية الشعبية الأخرى بين الناس على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم، لكونها تعكس الثقافة الشعبية الحية للشعوب، والكثير من أدبياتهم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم.

المثل، لا يُطلق جزافاً، لأنه، غالباً ما يكون نتاج تجربة إنسانية حقيقية عميقة، يخوضها الإنسان إما مع نفسه أو مع أطراف أخرى، ليخرج باستنتاجه كنتيجة قاطعة غير قابلة لتأويلات تقوّض صحتها.

من الأمثال العربية الفصيحة الشائعة، «كلُّ إناءٍ بما فيهِ ينضحُ»، الذي تباين في تحديد جنسه الأدبي ما بين المثل والشعر، فقد ورد في العديد من قصائد الشعراء، منهم سعد بن الصيفي التميمي الملقب بـ «حَيصْ بِيص»، وهو القائل في أبياته: ملكنا فكان العفوُ منا سجيّةً


فلما ملكتم سال بالدمِ أبطُحُ


فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا

وكل إناءٍ بالذي فيه ينضَح

ويقابله في ذات المعنى، صَفيّ الدين الحِلّي، في هذا البيت، القائل: إذا ما فعلتَ الخيرَ ضوعفَ شرُّهمْ

وكلُّ إناءٍ بالذي فيهِ يَنضَحُ

كما ورد ذات المعنى في شعر الإمام علي ــــ كرّم الله وجهه:

من لم يكن عنصره طيّبًا لم يخرج الطيِّب من فيهِ

كل امرِئٍ يشبهه فِعلُه وينضح الكوز بما فيهِ.

لا شك أنه لا أحد يستطيع أن يجاري فصاحة وبلاغة العرب قديماً؟ فقد تعدد المعنى أو الشطر ذاته مع مرور الزمن «وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ»، حتى بدا وكأنه «مثلاً» وليس شطراً لبيت من الشعر، ليستحيل إلى مثل كثيراً ما طرق أسماعنا، يقال في الشخص الذي يمتلئ بالحقد والغل والغَيرة، ويستبد به، فلا يمكن أن تجود نفسه إلاّ بما يوازي تلك السموم التي تنضح من ذاته، وبالطبع، العكس صحيح، فالطيب لا يصدر منه إلاّ طيباً، والكريم لا تجود نفسه إلاّ بكل سامٍ وراقٍ وجميل.

هذا الشطر أو المثل الشائع، ينطبق تماماً على نظام الحمدين، فهو نظام لا يمكن أن «يرشح» منه غير ما يعتمل ويمتلئ به جوفه العفِن، الذي يعكس عقليته ونفسيته المريضة، التي لا تملك رائحة الفروسية ولا يمكن أن ترتقي لمناكبها يوماً، لأنه نظام لا يعرف سوى الأساليب الرخيصة الوضيعة للنيل من خصومه لكي يثأر بها لنفسه.

فمحاولاته الأزلية المتواترة البائسة، للنيل من سمعة دولة الإمارات ومن «عيال زايد»، ستبقى حلماً عصياً عليه، مهما اجتهد هذا النظام المريض في إعدادها وإخراجها وتنسيقها و«فبركتها» ونشرها عبر وسائله ووسائطه وأذنابه ومرتزقته، ومهما بلغت تلك «المفبركات» قذارة ووضاعة وخسة، فلن تستطيع أن تنال من سمعة هذا الوطن الغالي أو من سمعة أبنائه، بل ستبقى وصمة عار تضاف لوصمات الخزي والعار الذي يغص بها تاريخ نظام الحمدين الأسود؛ «فكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح»!

[email protected]