الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

تنمية آليات الفكر بالنقاش

لبقية الحديث، كما ناقشت في المقالة السابقة، أن من آليات تصحيح الفكر الأسلوب وليس عن طريق التربية التلقينية التي تصوغ ذهن الطفل وفق أطر قديم، وإنما تتوافق مع العصر والتطور الفكري الذي يتعرض إليه الإنسان كل يوم.

والسبب الذي شدني لأهمية هذا الموضوع، هو عند زياراتي لإحدى المكتبات؛ إذ استوقفني عنوان كتاب اسمه «ذا نوماند»، فأنا أنجذب للكتب التي تسلط الضوء على الثقافات، وما إن بدأت بقراءته حتى صدمتني الكاتبة بما كتبته، كانت تسيء للإسلام والرسول الكريم. والمضحك المبكي أن جميع ما ورد في الكتاب كان لا يمت للإسلام أو لرسول الله بصلة؛ فقد كتبت في إحدى الصفحات أن الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم يحرضان على قتل غير المسلمين. وتبين لي أنها لم تقرأ القرآن الكريم قط، فالله لم يأمرنا بعداوة من لا يتبع ديننا وبيّن لنا هذا في سورة البقرة (لا إكراه في الدين) وسورة الكافرون (لكم دينكم ولي ديني). ولن ننسى ذكر تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود بكل صدق وأمانة، فقد عقد معهم وثيقة للصلح وإحدى بنودها كانت أن اليهود أمة واحدة مع المسلمين. وبعد البحث عن الكاتبة، تبين لي أنها فتاة صومالية عاشت في غضون الحرب الأهلية وقررت أن تصبح ملحدة والفرار لطلب اللجوء السياسي إلى الغرب. وبدوري تواصلت مع المجلس الوطني الإعلامي وبدوره في أقل من 24 ساعة تم توقيف كتبها في الدولة.

وبالرجوع إلى محور الحديث، كانت تتعمد الكاتبة أسلوب التكرار لكي تترسخ المعلومة في ذهن القارئ. وقد انتشرت أفكارها الخاطئة في الغرب لمجرد أنها تلقت تقبلاً من ميول الناس وأهوائهم. ومع تنامي ظاهرة العولمة، وما صاحبها من تداخل أمور الثقافة في مجال الاقتصاد والسياسة، زادت الحاجة إلى التربية الثقافية (تربية الفكر). ولعلنا نستطيع حجب هذه الكتب التي تحمل في طياتها افكار خاطئة ولكن لن نستطيع حجبها من الوسائل الأخرى المتاحة. وبالدور، يجب إعطاء الأولوية في العمل التربوي الآن لما يساعد الطلاب على فهم مشكلات الحاضر والمستقبل سواء في البيت أو المدرسة.


ومن المهم جداً تنمية آليات الفكر من خلال النقاش، كما تكلمت عنه بشكل مفصل في إحدى مقالاتي السابقة؛ فالنقاش بالنسبة لي من مقومات الفكر في حل المشكلات واتخاذ القرارات، فعلى سبيل المثال، من آليات التفكير الأخرى التفكيرُ بلغة العلاقات بين الأشياء مما يساعدنا على إدراك الروابط بين الأحداث المختلفة؛ فبعد أن قرأت كتاب «ذا نوماند» بحثت عن حياة الكاتبة واستطعت الربط في فكرها بين كرهها للإسلام وهدفها في أن يتقبلها المجتمع الغربي ولكن أي شخص آخر من السهل أن ينجر وراء أفكارها، فليس كل ما يقال صحيح، و لا كل فكرة ناجحة تعتبر صائبة. وتناولت جزءاً من هذه القضية في كتابِ «أين اختفت الحروف» لكي أحث الطفل على النقاش والبحث عن الحقيقة وعدم تصديق كل ما يقال له، وبالتالي من خلال ممارسة عمليات ذهنية معقدة نستطيع أن نكتشف كيف تؤثر أحداث معينة في حياة الناس فقط عن طريق الفكر.


[email protected]