الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

التسامح وسط الأنقاض

التسامح وسط الأنقاض
تيارات متناقضة تتلاقى عند أجندات سياسية تختلف مع مبادئها العامة، نراها تحمل في حملاتها الدعائية الخفية ما تدعو له في العلن.

حالة الانفصال في الشخصية نلمسها اليوم في دول عربية عدة، بينما تتحدث عن الدولة الوطنية واحترام الشعوب الأخرى تقوم عبر وجهها الآخر بدعم وإنشاء إعلام يكرس الفرقة في العالم العربي ويحاول أن يشوه صورة التسامح والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز هذا المفهوم في مجتمعاتنا.

هذا ما تواجهه دولة الإمارات التي تبنت سياسة واضحة في التصدي للإرهاب أيديولوجياً من خلال نشر فكر التسامح وسط المجتمعات رغم كل الصعوبات التي قد تواجهها.


ويعتبر هذا التوجه جريئاً جداً إذا نظرنا إلى كل الأدبيات العلمية التي سعت إلى ذلك طوال العقود الماضية من قبل مفكرين عرب نشروا أطروحاتهم في هذا الاتجاه، ما أزعج من ينتمون إلى مدرسة ازدواجية المعايير بين الرسالة للعالم ورسالة أخرى إلى العرب والمسلمين وشتان بينهما.


فطالما تبدو رسالة للعرب مفادها بأننا مستضعفون ومستهدفون من الأديان الأعراق الأخرى وكأننا محور العالم والعدو الأول لكل العالم.

هذه الرسالة الشعبوية التي يرسلونها ويستندون إليها لتقويتهم وبالتالي يقللون من أهمية من يعمل على بناء دول وطنية تحترم مواطنيها وتمارس مبدأ احترام الآخر وبناء اقتصادات تقود تطورهم وفق استراتيجيات واضحة.

وقد تبنت دولة الإمارات هذا التوجه بكل جرأة أمام وابل من المأدلجين لتحمل على عاتقها رسالة الاعتدال والتوازن لا التعامل وفق أجندات مختلفة داخلياً وخارجياً، وهو الأمر الذي أصاب بعض الدول بالمنطقة في مقتل وحاولت تشويه هذا النموذج بكل ما أوتيت من قوة، ولكن إصرار قيادة الدولة على العمل لاستقرار المنطقة ببناء نموذج إماراتي داخلي أحرجهم.

الإمارات لم ترغم أحداً على الاقتداء بها بل طرحت نموذجها بمشاريعها التسامحية التي تهدف إلى استقرار العقل العربي المحلي، وهو ما جذب النخب العربية إلى الإيمان بهذا النموذج مع اختلاف آراء التنفيذ ولكنهم يتشاركون الهدف والاستراتيجية .

هذا النموذج اليوم مطروح أمام الكل ومن أراد الاستفادة منه فأبواب الإمارات مفتوحة دائماً، ومن أراد محاربته فليصرخ كما يشاء فلن يغير ذلك شيئاً.

ولعلي هنا أطرح مثالاً مشابهاً يأخذ طابعاً اقتصاديا، فعندما طرحت إمارة دبي نموذجها الاقتصادي قبل أكثر من 20 عاماً واجهت وابلاً من الانتقادات من قبل الدول العربية، واليوم نراها تتبع دبي في خططها.

يعتبر الأمر طبيعياً عندما يصدم المجتمع والحكومات بأفكار جديدة لم يتوقعوا أن تنجح في المنطقة العربية ولكن ثبات إمارة دبي جعلهم يعتبرونها جزءاً من الخيال وحتى منتقديها لا يمكنهم ألا يزوروها أو يعترفوا بإنجازاتها، وهذا الأمر مشابه للصدمة التي تلقوها عندما وجهت الإمارات رسالتها التي لطالما تبنتها داخلياً في نشر التسامح لتوجهها هذه المرة بصورة أكبر للمنطقة العربية التي شهدت انفجاراً لحركات التشدد، والتي ظهرت منها أكبر جماعات إرهابية عالمية.

نعلم أن هناك ضريبة يجب أن ندفعها حتى تستوعب المنطقة التي منها فئة مؤدلجة تتبع سياسات دعم الإرهاب كقوة سياسية، ومنها من هو متأثر بنجاح هذه التجربة من عدمه أمام الشعوب والفكر الشعبوي الذي عاش عليه طويلاً، ولعل الوقت وظهور الإمارات كلاعب إقليمي مهم على الخارطة الدولية سيجعلهم يعيدون التفكير في سياساتهم وبدء حركة التغيير للأفضل لا استعمال الأسبيرين لحلها مؤقتاً.

[email protected]