الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

غزو البلهاء

غزو البلهاء
هل أخطأ مارك زوكربيرج باختراعه «فيس بوك»، وهي أكبر شبكة تواصل اجتماعي في العالم، أم أن جاك دورسي ندم لابتكاره موقع تويتر الشهير؟ وهل كانا، كل من زروكربيرج ودورسي، سيتراجعان عن ابتكاريهما اللذين يربطان الملايين من البشر حول المعمورة لو أنهما علما بأن الكثير من مستخدمي الموقعين الأشهر عالمياً «فيس بوك»، و«تويتر» ربما يسيئون التعامل مع هذه التقنية، ما جعل الكثير من المستخدمين ينسحبون من الموقعين.

بالتأكيد إن كل من مبتكري الموقعين كانا ولا يزالان يفكران بطرق خيرة، وذلك عبر إيجاد أبواب تنفتح أمام البشرية ليلتقوا مع بعضهم في عالم افتراضي مفتوح ويتبادلوا الأفكار الآراء التي من شأنها أن تخدم الإنسانية، وهذا ما يحدث عند البعض، لكن للأسف فإن الكثيرين من مستخدمي الموقعين، حولوا هذا الابتكار العظيم إلى كابوس اجتماعي وليس وسيلة تواصل اجتماعي عندما فهموا أو تعمدوا فهم حرية التعبير عن آرائهم بصورة خاطئة وجعلوا من المنصة منطلقاً لبث أحقادهم المقيتة، أو تبادل أفكار تسيء للمجتمعات وللتقاليد الاجتماعية، حتى أن الكاتب والفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو لم يتردد بالقول خلال مقابلة مع صحيفة لاستمبا الإيطالية «إن أدوات مثل (فيس بوك)، و(تويتر) تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء».

في عالمنا العربي غالباً ما يساء استخدام الحريات، وبدلاً من أن تكون هذه الحريات، وخاصة حرية التعبير عن الرأي، منطلقاً لاكتشاف أفكار حديثة والتوصل لابتكارات إبداعية، فان الغالبية يصيرونها منطلقاً للشتائم وتصفية الحسابات وتوجيه الاتهامات والنيل من الآخر والتحريض ضد أشخاص أو أفكار أو مجتمعات أو قيم نبيلة أو أديان أو معتقدات، بل تجاوز الأمر ذلك إلى التحريض على حكومات واستقرار شعوب وبث أفكار ظلامية إرهابية، وهناك من تجاوز ذلك إلى تعليم المتلقين طرقاً للقتل وصناعة المتفجرات. غير هذا، وهنا الحديث أيضاً عن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في عالمنا العربي، دون أن أستثني غالبية أو أقلية من مستخدمي هذه الوسائل، فإن هذه المنصات دمرت اللغة العربية وأفسدت معانيها وقواعدها وإملاءها وصورها الشعرية حتى باتت لغة الفيس بوك، عربياً، كابوساً على الآخرين.


هناك حكومات حصنت مجتمعاتها بقوانين رادعة لمكافحة «جرائم الإنترنت» بحيث تعاقب من يسيء إلى الآخرين والمجتمع والدولة بأحكام تصل إلى السجن لسنوات أو الغرامة المالية أو كلا العقوبتين معاً، وهناك دول ما تزال متناسية هذا الموضوع ليبقى فضاؤها الافتراضي مفتوحاً أمام كل الأفكار والاحتمالات بما فيها التخريبية.


من المؤمل ألا يُفهم هذا الطرح على أنه تقييد للأفكار أو الحريات، وإنما هو دعوة لحماية المجتمع والأفراد مما أسماه أمبرتو إيكو، غزو البلهاء.

[email protected]