السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

في زمن «الناشط»

المتتبع للأحداث في منطقتنا خلال السنوات القليلة الماضية يلحظ بروز ظاهرة جديدة في مجتمعاتنا، وهي تبوء بما يعرف بالناشطين مكانة مؤثّرة في سير الأحداث والتأثير عليها، لكن ما هي أسباب ذلك؟، وهل له علاقة بتصّحر الحياة السياسيّة العربيّة وتراجع عمليات التنمية والتحديث وتأزّم الوضع العربي بالمجمل، ثم لماذا تميّز الناشط بدوره وتأثيره عن السياسي والحزبي والمثقف؟

في واقع الأمر، النقاش العام حول هذه الظاهرة بيّن أنّ أسباباً بعينها كانت وراء ذلك منها: التضييق على الأحزاب والتجمعات السياسية، مما أفقد الحزبي تأثيره مقابل التأثير الجديد للناشط، وربما كان لتحرر الناشط من التوجهات السياسية والتنظيمات الحزبية وبعده عن السلطة دورا في ذلك، زد على أنّ معظم النشطاء كانوا من الشباب الذين هم أقرب إلى الشارع ونبضه، كونهم يمثلون النسبة الأكبر في المجتمعات العربية.

التضييق على الحريات والتعبير عن الرأى ربما كان من الأسباب وراء تعاظم دور الناشط، خاصة وأنّ طرق وأساليب ممارسة ذلك سابقا كان بالأشكال التقليدية المتحكم بها من قبل الحكومات، بينما لم يكن الناشط أسيراُ لهذه الأطر التقليدية حيث سلك واتّبع طرقاً ومنابر أخرى أهمها الفضاء الرقمي، كما أن الناس كونوا بحاجة إلى متحدثين وناطقين جدد تتحدث عن معاناتهم ومطالبهم.


كذلك ساهم تنوع أدوار واختصاصات وحقول عمل النشطاء فى بروز دورهم، حيث نجد نشطاء عاملين فى مجال الحريات وحقوق الإنسان وقضايا الشباب والطفولة والجامعات والبطالة والبيئة وغيرها، مما جعلهم أقرب إلى مطالب ومعاناة الفئات المختلفة في مجتمعاتهم.


ولا يمكن كذلك إنكار دور الثورة التكنولوجية والرقمية في بروز هذه الظاهرة، حيث أصبحت منصات الفضاء الرقمى ووسائطة أهم منابر النشطاء وأسهلها في الوصول وأرخصها فى التكلفة وأكثرها بعداً عن الرقابة والحجب وأسرعها في التأثير.

ويبقى السؤال: هل ظهور ما يعرف بالناشط كان نتيجة أزمة مرت بها النخب المجتمعية أم أنّها نتيجة طبيعيّة ومنطقيّة لتطور المجتمعات ووسائل تواصلها؟ وهل لو عادت لهذه النخب مكانتها وتمكنت من ممارسة دورها ستضعف هذه الظاهرة، أم ستتحول بعض هذه النخب إلى نشطاء مجتمعيين بالمعنى المتداول والحديث، أم أنّ هذه الظاهرة ستصبح إضافة نوعية مساندة لهذه النخب في آداء أدوارها..؟.. التطورات المسقبليّة ستجيبنا بالتأكيد على كل ذلك