الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كنائسهم المهجورة!

قرأت أكثر من مرة خبراً عن شراء مسلمين في دول غير إسلامية لكنائس مهجورة وتحويلها لمساجد، وهو الأمر الذي لقي استحساناً من جمهور القراء المسلمين، الذين كانت تعليقاتهم مزيجاً من السعادة لانتشار الدين الإسلامي في بلاد الغرب، فيما آخرون جاوزت السعادة لديهم المدى، فتصوروها هزيمةً للمسيحية في عقر دارها.

بين هذا وذاك، لن أعلق على تلك المشاعر، وإنما ‏ملاحظتي فقط هي اعتراضي على شراء الكنائس المهجورة ومن ثم تحويلها لمساجد، وهي التي عرفت كفترة طويلة لقاطني المكان وزائريه بكينونتها كدار عبادة مسيحية، ومن ثم تحولها المفاجئ لمسجد هو ما قد يترتب عليه ردة فعل القلة، ولن أقول الأغلبية التي لن تكترث، فهم الفئة التي يجب أن يحرص المسلمون الذين يعيشون بينهم على عدم إخافتها وإثارة ريبتها وتحريك المشاعر المناهضة في صدورهم، والأولى اكتسابهم أو على الأقل تحييدهم عبر إظهار روح التسامح تجاههم وعدم إعطائهم انطباعاً بالخشية من المسلمين، المهاجرين الجدد لبلدانهم والذين يسعون كما قد يتبادر لأذهانهم أنهم مقبلون على تغيير نمط حياتهم الدينية والاستيلاء على كنائسهم حتى لو كانت مهجورة ولا تلقى إقبالاً عليها.

‏الصليب هو رمز المسيحية، وهو عادةً معلق على تلك الكنائس، وبالتالي إنزاله بواسطة مسلمين في دولة غير إسلامية من على كنيسة مهجورة وتحويل البناء لمسجد يعطي حوافز لليمين المسيحي المتطرف بالغرب تجاه الإسلام والمسلمين ويزيد من الإسلاموفوبيا، ويبث رسائل سلبية، نحن كمسلمين في أمس الحاجة لتجنبها وخصوصاً مع تزايد موجات العداء للمظاهر الإسلامية ودور العبادة، لذا فالأولى حال الرغبة ببناء مسجد هو تجنب الأماكن ذات الرمزية الدينية وحتى التاريخية والسياحية، وإقامتها على مكان لا يثير الحفيظة ويسترعي اهتمام المتخوفين من الإسلام في دولهم، وعدم استفزاز مشاعرهم، لكيلا يترتب على هذا التصرف مستقبلاً مظاهرات مناوئة قد تؤدي لقوانين تحد من الحريات وحقوق المسلمين في دور العبادة.


بصراحة، كنت أتمنّى أن أرى المسجد يبنى مجاوراً للكنيسة المهجورة لا بدلاً منها، كما أحبذ حتى من الجالية المسلمة أن تقوم بجمع التبرعات لو احتاج الأمر وإعطائها للمسؤولين عن الكنيسة إن كانت أسباب هجرانها مادية، ففي ذلك بادرة إيجابية من المسلمين تعكس روح التسامح وتبعث الطمأنينة في الآخر المختلف ديناً، وتؤكد على القول الكريم «لكم دينكم ولي دين».


لنتذكر رفض عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة لحرصه على ألا يقوم المسلمون مستقبلاً ببناء مسجد بدلاً منها، في رسالة تؤكد عظمة الإسلام وتقبله للآخر ودعوته لاحترامه ودور عبادته وعدم التعرض لها بالأذى.