الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مكان سائل

يقولون إن ما تركز عليه يزداد. ربما يصدق قولهم. إذ أجدني مضطرة لفعل ما تعودت التضجر منه، مثل الانتظار. غير أني أجد أني مضطرة مع الوقت للانتظار أكثر وبالتالي التضجر أكثر.

أخبرني أحدهم بعيد نشر مجموعتي القصصية الأولى «وجوه إنسان» أن لي معضلة مع الزمن. لم أصدقه ولم أعر كلامه أي اهتمام. ولكني حين أعيد النظر في ما أكتب، أجد أني بالفعل في أزمة وجودية مع الزمن.

قدمت في مطلع مجموعتي القصصية الثالثة «بيض عيون» لابن العربي قائلًا «إن الزمان مكان سائل، وإن المكان زمان جامد». أؤمن بهذه الحقيقة. بل أجد أن بُعد الزمان كالحوت يبتلع كل ما سواه، فلا وجود حقيقياً لأي بُعد آخر. وما المكان إلا شكل من أشكاله على سبيل المثال.


لكن، لنعد إلى قصتي مع الانتظار. لاحظت شخصيًا أني أضطر كثيرًا إلى الانتظار، سواء لاتخاذ أو تحقيق قرار مصيري فاعل أو لما هو أبسط من ذلك كالحصول على موعد طبيب أو خياطة أو حتى في طوابير الجمعية أو زحام الشوارع والدقائق الطويلة أمام الإشارات الضوئية.


كنت في إحدى لحظات التذمر مع الذات، حين تسللت إلى مسامعي رسالة صوتية عبر واتساب لأحدهم مارًا بجانبي. لا يعنيني الأمر بشكل شخصي، لكن الجملة الوحيدة التي تمكنت من سماعها بكل عفوية جاءت على صوت سيدة ستينية – على ما يبدو- تقول: «على كل حال، لم يعد لدي ما أنتظره!»

لم أفكر كثيرًا قبل سماعها بأن يكون ما أتذمر منه لسنوات طويلة حتى تلك اللحظة نعمة يتمناها بعضهم. وأن سمة الحياة وروحها تكمن في هذه التفاصيل التي نملها أو نقاومها.

أتذكر سيدة كرهت عشرة زوجها لسنوات طويلة. بعد وفاته بفترة قصيرة، بدأت تفتقد تلك المناكفات والمشادات بينهما. حظيت بالصمت والهدوء الذي طالبت به كثيرًا أخيرًا، لتكتشف أن الضوضاء لا الهدوء هو سمة الحياة. أحست بأنها تذوي ولم تعد قادرة على التذمر حتى.