الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

تشفير التكفير

على كل التنظيمات الإرهابية المُتدثِرة بالدين أن تعترف بأنها تنظيمات «نفاقية»تستطيع أن تقدم ألف دليل مؤكد وموثق على أنني منحرف ومنحل وعاص ومنافق وما شئت من الصفات السيئة، ولكني اتحدَّاك أن تقدم دليلاً واحداً على أنني كافر، وأتحدَّاك أن تثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرة واحدة، أو يوماً ما لأحد كفار ومشركي مكة يا كافر.. الله وحده هو الذي بيده وصف عبده بالمؤمن أو الكافر وليس هذا لنا أبداً.
والوضع السيئ والفكر التعصبي لم يختلفا الآن عن أيام ما يسمونه المد القومي والاشتراكي سوى في المصطلحات فقط، فالخائن والعميل أصبحا الكافر والمرتد، والفدائي أصبح الاستشهادي، والمناضل صار الجهادي، والرفيق صار الأخ، وأصبح القوميون إسلاميين.
ما حدث ليس سوى هرولة من معسكر القوميين والاشتراكيين الذي فقد ملاءته المالية إلى معسكر الإسلاميين، الذي تركزت عنده الأموال الطائلة وأصبح قادراً على الدفع ولكنها نفس الوجوه والرؤوس ونفس القبلية، التي كانت سياسية وصارت دينية إنها نفس العصبية التي أضاعت كل شيء في هذه الأمة، وأنتجت الفتن التي نسميها ثورات، واختلاف الأسماء والمسميات والمصطلحات لا ينفي اتفاق الغاية، والغاية في كل ما يجري بهذه الأمة ليست الأوطان ولا المبادئ ولا القيم، ولكنها الأهواء التي تحكم كل السلوكيات العربية، وهذه الفسيفساء من الفصائل والتيارات والمذاهب والفرق محكومة بالأهواء التي دمرت الأخضر واليابس وجعلت الحليم حيران لا مفر من الاعتراف بأن النفاق اختراع عربي بامتياز، فأقوام كل الأنبياء كانوا فريقين فقط، هما: فريق المؤمنين وفريق الكفار، وقوم سيدنا محمد هم مخترعو الفريق الثالث وهو فريق المنافقين وأحسب أن فريقي المؤمنين والكفرة لم يعد لهما وجود إلا تحت المجهر، لكن فريق المنافقين تناسل وتكاثر وطغى، وقتل المنافقين غير جائز شرعاً ورفضه رسول الله وتكفل المولى عز وجل بفضح هذا الفريق وعقابه والصراع الآن بين معسكرات النفاق مهما اختلفت اللافتات والاقتتال، والقتل بين المنافقين لا يجوز شرعاً بقي أن تعترف كل التنظيمات الإرهابية المُتدثِرة بالدين بأنها تنظيمات «نفاقية»، وقاع النفاق تقسيم الإسلام، الذي لا يقبل القسمة، على جماعات أو تنظيمات أو مذاهب، تحتكر التكفير حصرياً، وكأنها قنوات لتوزيع صكوك الإيمان وتشفير التكفير.