الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المهمة لم تكتمل بعد

نهار الأربعاء الأول من مايو من عام 2003، وفي مشهد استعراضي بعيد عن الحقيقة، هبط الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الثاني على إحدى قطع الأسطول الأمريكي، معلناً أن المهمة في العراق قد اكتملت بالفعل.

واليوم، وبعد عقد ونصف من الإعلان المثير لا تزال المهمة الأمريكية في العراق غير مكتملة، ولا يزال الأمريكيون حائرون، هل يرحلون مرة واحدة، وبذلك يكونون قد خسروا تريليونات الدولارات وبضعة آلاف من الجنود قتلى، وأضعافهم جرحى ومصابين بأمراض نفسية، أم يظلون تحت التهديد؟

ما الذي استدعى هذه الصورة إلى الأذهان في وقتنا الحاضر؟


بلا شك التاريخ لا يكرر نفسه، لأنه لو فعلها كما قال كارل ماركس لأضحى في المرة الأولى مأساة وفي الثانية ملهاة، ومع ذلك يمكن القطع بأن أحداثه تتشابه، ومنها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن داعش قد تم سحقها ومحقها إلى الأبد، ما يعني أن المفهوم واحد، وإن لم يستخدم ترامب نفس مترادفات بوش. نعم فقد الدواعش آخر معقل لهم في منطقة الباغوز السورية، لكن داعش لم ولن يختفي والقادم قد يكون أسوأ. هل هذه رؤية تشاؤمية أم حسابات عقلانية ومنطقية؟


أمامنا مساران للتفكير: الأول يتصل بالعمليات اللوجستية على الأرض، وكيف جرت بها المقادير، والمعلوم أن هناك الآلاف من عناصر داعش قد تبخرت، نعم تبخرت من الميدان، وهذا ما يؤكد وجود أطراف إقليمية بعينها تدعم تلك العناصر، ويسرت لها الهروب من العراق وسوريا إلى مناطق أخرى شرق أوسطية وأوربية، والناظر إلى ليبيا تحديداً يدرك أبعاد الدورين القطري والتركي، في محاولة جعل الفصل الثاني من رواية الدواعش الدموية تدور على الأراضي الليبية، وفي استهلال لفصل أخطر للجماعات الأصولية في الداخل الأفريقي، حيث العديد من الدول تعاني أوضاعاً أمنية وسياسية متردية إلى حدٍّ مهترئ، ما يعني وجود فرصة لنشوء وارتقاء تنظيمات أشد هولاً وضرراً، والناظر إلى الصومال ونيجيريا وجماعات بوكو حرام هناك، يجزم بأن عقلاً شيطانياً يدبر لأهوال قادمة.

أما المسار الثاني، فموصول بالإرهاب الذي بات فكرة غير «هيراركية»، بمعنى أننا لم نعد أمام تنظيمات مثل القاعدة في التسعينات، لها رئيس وهيكل إداري وأطراف معاونة ووسائل انتقال وتواصل شبه معروفة، ولهذا كان من اليسير تتبعها والقبض على أفرادها، وإبطال أعمالها الشريرة.

الإرهاب الآن أضحى فكرة تنتقل عبر الأثير، ومن خلال وسائط التواصل الاجتماعي، والعالم الرقمي الماورائي، ناهيك عن الفضاء السيبراني، الذي تدار فيه المؤامرات الخفية، وما تحمله للعالم من مخاوف قاتلة، وليسوا الذئاب المنفردة سوى أحد إفرازات هذا العالم المثير والخطر.

المهمة بالفعل لم تنته، والمعركة الحقيقية عند شباب العرب والمسلمين، إنها معركة فكر يقارع بفكر، فالحلول الأمنية على أهميتها قاصرة عن الاستمرار والاستقرار، أما الإقناع والاقتناع العقلانيان، ومطارحة الحجة بالحجة، وتضييق هوة الدوجمائيات العقدية المتطرفة، والأيديولوجيات السياسية المتشددة، لمصلحة رحابة الابستمولوجيات المعرفية، والانفتاح على الآخر، والتثاقف الأممي، والإعلام الجيد، عطفاً على النخب النهضوية، والخطط الحكومية التي تهتم بالبشر قبل الحجر، هي الحل، وهي الطريق لمواجهة صنوف الإرهاب المعولم.

المعركة بدأت للتو، النصر فيها لأصحاب الرؤى الابتكارية الخلاقة .. الذين يقرؤون لا ينهزمون.