الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أجامل لا أكذب

بات الكذب في واقعنا الاجتماعي بمنزلة الفن وكأنه ممارسة حياتية متكاملة، ليس محصوراً بمعلومة عابرة أو تحريف الحقيقة في موضوع ما، حيث تجد أننا بتنا نعرف أناساً لا يقولون الكذب، بل يعيشون تفاصيله، وأقصد أنهم يعيشون في كذبة كبيرة، يعيشون في واقع تم بناؤه من الوهم ولا أكثر.
تجد هذا ماثلاً في جانب المظاهر، والتي لن تخرج بأي حال من الأحوال عن كونها نوعاً من الكذب، لكنها في هذا السياق كذبة تتطلب التماشي معها والتعايش التام مع تفاصيلها.
أحدهم يقترض من البنك ويثقل كاهله من أجل شراء سيارة فارهة ثم يقوم بشراء بعض الماركات المزيفة، ويتعامل مع الآخرين بكونه ثرياً ومن أسرة ميسورة الحال، أو أنه يملك الملايين. لم يدفعه أحد إلى هذه الممارسة التي تقذف به في الديون والالتزامات المالية المتتالية، ولم يضربه أحد على يده ليفعل ما يفعله، يقوم بممارسة هذه الكذبة الطويلة المكلفة، لشيء في نفسه إما لنقص وإما لحاجته بأن يشعر بالاحترام أو نحوه، وتحت أي سبب تبقى الكذبة كما هي ولا تؤذي في نهاية المطاف إلا صاحبها .. هناك نوع آخر من الأكاذيب والتي تجد مبرراً قوياً في مجتمعاتنا، حيث تجد من يكذب على صديقه أو على زميله أو على الآخرين، وعندما تكشف الكذبة أو تظهر الحقيقة، يبرر بأنه اضطر للمجاملة لا أكثر. وهذا فهم خاطئ تماماً لمعنى المجاملة، وأنا شخصياً احترم كل من يبث روح المجاملة تجاه الآخرين، لأنها ببساطة مراعاة لمشاعرهم ونفسيتهم، لكنني فعلاً لا أعلم لماذا بعضهم يربطها بالكذب، ويعتقد أن لا سبيل لنكون مجاملين مقدرين لمشاعر الآخرين، إلا بتزييف الحقيقة وتزوير الواقع؟ وكما قال الكاتب الأمريكي جاكسون بران «المجاملة لا تعني أن تكذب، بل أن تقول الحقيقة بطريقة لطيفة»، الكذب مهما كان نوعه وتحت أي تبرير يبقى سلوكاً شائناً ومؤذياً، ولا يقدم على الكذب إلا من هو مهزوز الشخصية. وتماماً كما تؤذي الأكاذيب طويلة المدى صاحبها نفسياً ومادياً، تدمر الكذبة تحت بند المجاملة الثقة وتؤذي المصداقية، والعنوان الرئيس، ابتعد عن الكذب.