السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

المقامرة بالمؤامرة

العالم الآن مسرح عرائس، والمتحركون على خشبته دمى يخيل إلينا أنها تسعى، بينما تحركها من خلف الكواليس أصابع خفية هي أصابع الاستخبارات.. العالم تحكمه الاستخبارات ولا يحكمه الساسة وليس بعجيب أن ترى على خشبة المسرح دولتين بينهما ما صنع الحداد من عداء ولكن بين استخباراتهما تنسيق وتناغم وتعاون على أعلى المستويات.

العالم في حالة حرب لا ينطفئ أوارها والحرب خدعة، والخدعة هي العمل الاستخباري، وذلك أمر مشروع، والتآمر حق لكل دولة وكل شعب، والقانون الدولي لا يرفض ولا يجرم التآمر، ولا يمكن لأي دولة أن تشكو أخرى إلى الأمم المتحدة بحجة أنها تتآمر عليها، والدولة التي تضبط جاسوساً لدولة أخرى تحاكم الجاسوس ولا تحاكم الدولة التي جنَّدته، ولا تقطع علاقاتها معها.

وكل دولة في العالم صغرت أو كبرت إما أن تكون متآمرة أو متآمراً عليها، وكل دولة لديها جهاز شرعي معترف به دولياً للتآمر وهو جهاز الاستخبارات، وشكوى العرب الدائمة من أنهم يتعرضون لمؤامرات، أو أنهم ضحية مؤامرة شماعة أو مشجب لتعليق الخيبات، فالمؤامرة بغباء وغفلة من يتعرض لها لا بذكاء المتآمر، وينبغي لمن يشكو دوماً من أنه ضحية مؤامرة أن يتآمر هو أيضاً، فلم يمنعه أحد من التآمر والتدخل في شؤون الآخرين.


ومأساة العرب أن لديهم طوائف وفئات وميليشيات تستدعي المتآمر للتدخل في الشؤون الداخلية وتستقوي به بل تستدعي المحتل وترفض جلاءه، وتقاتل بالوكالة عنه، كما يفعل الحوثيون في اليمن وكما يحدث في سوريا.


لقد بالغنا كثيراً في التفسير التآمري لكل الإخفاقات والخيبات، وكأن تلك طريقة لإبراء الذمة أو هي حجة التلميذ الخائب الذي عندما يفشل يتهم المعلم بأنه تعمد إفشاله وأنه تآمر عليه، وصارت المؤامرة أغنية شعبية فلكلورية عربية بهدف التبرير وكأن المؤامرة قضاء وقدر لا راد لهما، فكل العالم يتآمر علينا رغم أننا نقدم للمتآمر طوعاً أضعاف ما يتمنِّى.

لقد صار التفسير التآمري شبيهاً بنهاية الموت في الدراما العربية عندما تتعقد الأحداث في العمل، ولا يجد صانعوه حلاًّ أو نهاية سوى موت البطل أو غريمه ليخلو الجو للعشيقة مع أحدهما.. إنها النهاية السهلة لمن يودون أن يكسبوا جولة حوار أو تحليل سياسي، وهي اللعب بورقة المؤامرة، وكل العرب الآن يجيدون المقامرة بورقة المؤامرة.