الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

شوك الفكرة

البعض ممن يكتبون وينزفون أفكارهم التي ابتكروها وطوروها بالكثير من الجهد الذهني والتفكير المتواصل، يحبطهم بشكل تام، أن يجدوا هذه الأفكار وقد تم اختطافها ونقلها دون أي ذكر للمصدر الرئيسي لها، البعض يأخذون الفكرة ويقومون بالبناء عليها من وجهة نظرهم، ولكنهم لا يكلفون أنفسهم الإشارة إلى صاحبها أو من سبقهم في الطرح، وأنا لا أتحدث عن الأفكار العامة أو المواضيع التي نلتقي فيها وتكون مشاعة في المجتمعات، ولكنني أتحدث عن مواضيع تحمل فكرة مبتكرة أو مبادرة جديدة أو دعوة لمشروع ما غير مسبوق، أو طرحاً لرؤية حول قضية عامة، لكن هذا الطرح متميز بشيء جديد .. عندما تجد فكرتك يتم تداولها وقد ضاع مصدرها تعتلج في داخلك الأحزان لبعض الوقت، ولكنك تعود للهرولة في مضمار لا يرحم ولا يتعاطف الكثيرون معك.

وكما قال الدكتور وليام أوسلر ـ والذي يعتبر من أعظم رموز الطب في العصر الحديث، وهو أيضاً مثقف ومؤرخ وكاتب: «في الاكتشافات العلمية، يذهب التقدير لمن يقنع الناس بها، وليس لمن تأتيه الفكرة أولاً».

قسوة إيجاد الفكرة الجديدة المتميزة ماثلة في مختلف تفاصيل حياتنا، ولكنها عند المؤلفين تحدٍّ يومي .. على المتلقي والقراء بصفة عامة، ألا يعتقدوا لوهلة أن النص الذي يقرؤونه قد جاء بعفوية أو ببساطة، لأنه في الحقيقة يكون قد سبقه عملية تفكير وتطوير، وهي تعتبر عملية أكثر مشقة من عملية الكتابة نفسها، إن قام المؤلف بالكتابة فإن هذا يعني أنه تجاوز شوك الفكرة، ولكن ثقوا بأنه أيضاً وخلال عملية الكتابة، يقوم بوظائف عدة في آنٍ واحد مثل التطوير والحذف والإضافة وتركيب الفكرة وما يطرأ عليها مع النص الذي يحاول أن يتنبأ أو الذي يحاول أن يشكله ويعلنه.


وتبقى الفكرة غاية ووسيلة، وهي السهل الممتنع، وهي العملية التي تقابل المؤلف الذي دوماً تجده مشغولاً بالتميز والتفرد. والأهم من هذا كله جوهر الفكرة وقوتها وأثرها البالغ في البشرية بأسرها، فالمخترعات التي غيّرت وجه الكرة الأرضية بدأت من الأفكار المجردة التي سرعان ما تحولت إلى عمل لتكون على أرض الواقع.