الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

يحدث في الأردن

هناك مشروع رسمي أردني في طريقه إلى التنفيذ يقضي بتغييرات «جديدة ومتكررة» في قوانين الانتخاب والأحزاب، ويؤمن أصحاب المشروع من دوائر صنع القرار في الأردن أن تغيير تلك القوانين ولو جذرياً سيفضي إلى حكومات برلمانية وحزبية لتنتهي بدولة ديمقراطية تقودها الأحزاب والبرامج.

هذا مشروع فيه الكثير من حسن النوايا، لكن الطريق إلى جهنم دوماً مرصوف بحسن النوايا.. وكنت أسلفت في أكثر من تعليق وكان أحدها أمام الملك الأردني نفسه في مكتبه، أن المشكلة لا تكمن في التشريعات والقوانين وحسب، بل في الوعي الاجتماعي والسياسي الذي تم تشويهه ومسخه وتزويره طوال سنوات عديدة سابقة، وأمام وعي مزور وممسوخ ومشوه فإن وضع تشريعات وقوانين انتخابية متقدمة ليس كافياً، ويشبه بالضبط محاولة زراعة نبتة أمازونية في الربع الخالي، فإما أن يتحول الربع الخالي إلى أمازون أو أن تموت النبتة.

لا أفهم كيف يمكن لقانون انتخاب حديث مدعوم بقانون أحزاب أكثر حداثة أن يحدث التغيير في مجتمع لا يزال يؤمن بعدمية الأحزاب أصلاً!!.


وفي ظل اقتصاد عاجز ومتهالك مثل: الاقتصاد الأردني، وحديث يومي عن مؤسسات فساد تغولت ونشأت في الدولة وبرعاية «أشباح رسمية».. كيف يمكن للمواطن أن يثق بتيارات حزبية يفترض أنها منبثقة من واقعه المعيشي الصعب؟ السؤال الأهم، هذا المواطن نفسه لم يعد مفهوم المواطنة واضحا لديه، فالمرجعيات متعددة في دولته، والمؤسسات البديلة الحاضنة ملأت فراغ مؤسسات الدولة التي تلاشت فعليا من واقعه اليومي المعاش.


طبعا.. أنا مع ديمقراطية الدولة لكن ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، والديمقراطية وسيلة وليست غاية، فالغاية في المحصلة هي حاكمية رشيدة للمجتمع، وحقوق وواجبات تنظمها منظومة قوانين واضحة تتماهى مع واقع الناس لا منظومات براشوتية بإسقاطات مظلية مزاجية حرة.

الطريق يبدأ بالإصلاح الداخلي الحقيقي، ومنظومة الوعي المجتمعي تبدأ بأنظمة التربية والتعليم والقوانين الناظمة للمجتمع نفسه.

التشريعات مهما كانت متقدمة، لا تصنع حالة وعي مجتمعي شاملة، لكن الوعي يتشكل بإرادة سياسية تقود كل الدولة نحو المؤسساتية واحترام القانون وترسيخ فكرة المواطنة أولا.

نعم، الأردن بحاجة إلى منظومة قوانين لا في الأحزاب والانتخابات فقط، بل في كل نواحي الحياة، لكن يسبق ذلك كله ثورة وعي مجتمعي ترسخ مفهوم المواطنة ودولة المؤسسات والقانون أوّلاً.