الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الآغا العثمانلي يترنح

ليس من دالة للآغا العثمانلي على أحاجي التاريخ وعلامات الأزمنة، ولم يبلغ علمه ما قاله كارل ماركس ذات مرة من أنه لا يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه مرتين، ذلك لأنه لوفعلها لأضحى في المرة الأولى مأساة، وفي الثانية ملهاة.

قبل الانتخابات الأخيرة خيل للخليفة العثمانلي المزعوم أن الفوز مضمون بشكل دائم، مرة وإلى الأبد، وأن حزب العدالة والتنمية، سيبقى في صفوف الحكم إلى أبد الدهر، وفاته أن الأوهام لا تصنع نصراً مؤازراً، وأن النسيج الاجتماعي التركي الداخلي قد تعرض لاهتراء قاتل، بعد أن ألقى بالمئات في السجون من كبار العسكريين، وفرق أصدقاءه من السياسيين، لينفرد بالحكم ومقدراته وحده، إنه المخيال الجامح والقاتل الذي يصيب الحاكم المهووس بالدوغمائية الساكنة تحت الجلد، إنه يظن نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ البشرية، وهو غير قادر على الفوز بقلوب شعبه.

خيل لأردوغان أنه قادر على استدعاء التاريخ من بطونه مرة أخرى، وأنه صانع المعجزات وعليه سيعيد بناء أمجاد الإمبراطورية العثمانية، ولم يتوانَ في الطريق أن يبني قصراً للسلطنة الآتية من بعيد من ألف حجرة، وأن يسال كبار مصممي الأزياء في بلاده وما حولها، لكي يفتشوا أضابير التاريخ ويرسموا ملامح الخلافة بأثواب القماش وأهدابه.


يضحك العالم من أردوغان، والضحك يبدأ من عند شعبه، الذي أسقطه وحزبه في بعض من كبريات المدن التركية، ولولا القبضة الحديدية الاستخباراتية، بما في ذلك الأدوات الخفية، لربما خسر بالمطلق الانتخابات الأخيرة.


السلطان المزعوم غير مهموم بالداخل التركي، وعليه لا يهمه إن ضعفت الليرة التركية، أو ارتفع مستوى البطالة بين شعبه، إنه مشغول بمناصرة جزيرة الشيطان، وابتزاز مليارات الغاز القطري، محموم بسباق النفوذ الوهمي في الخليج العربي والشرق الأوسط، مع إيران، ومصاب بداء العظمة الذي يدفعه لمنافسة إسرائيل، ولهذا لا وقت للآغا من أجل شعبه، إن السلاطين العظام مهامهم الخارج، أما الداخل فوحدات وشعب الأمن الداخلي كفيلة به في تقديره.

الآغا المضطرب جرب في الأعوام الأخيرة اللعب على المتناقضات، تارة يغازل روسيا بعلاقته بالولايات المتحدة الأمريكية، وتارة أخرى يحاول أن يستأسد على الأمريكيين ويبدي مواقف لا تتساوق وإمكاناته تجاه الروس، فلا يجد من النسر الأمريكي إلا الانقضاض الجارح، والتصريحات الترامبية الساحقة الماحقة، إنه سلطان لا يقدر لرجله قبل الخطو موضعها أو موقعها، ويغفل عن أن اللعب من الكبار نهايته محتومة ..الضياع المبين ..فالأقطاب الدولية لها حسابات غير ما يخيل للمرجفين من السلاطين.

لم يخبر أحد الآغا بأن العالم يعيش عصر العولمة، وأن ما يقال اليوم همساً في المخادع سينادى به غداً من على السطوح، وأن التآمر على الدول المستقلة لا يفيد، ولهذا بات حجراً مرذولاً من الداني والقاصي، وإذ لا يجد في جعبته ما يثير القلاقل حول العالم، يمضي عما قريب لتغيير وضعية «آية صوفيا»، ليثير شقاقاً وفراقاً دوغمائيا لا يفيد إلا في تعميق الكراهية مع الأوربيين أولاً، وبقية الغرب ثانية.

الآغا المرذول والمهزوم لا طاقة له على المودات التي تبني، إنه يجيد طريق الشقاق والفراق، ولا يعلم أن صناع السلام لا الخصام هم الموعودون بأن يضحوا سلاطين القلوب.

الخلاصة ..الذين يقرؤون لا ينهزمون، والكارهون هم الآفلون.