الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

عظماء.. وكارهون

ترك عباس محمود العقاد لنا أكثر من عشرين كتاباً، يدور كل منها حول شخصية تاريخية مؤثرة، وكان العقاد يدرس حياة كل منهم ويدقق باحثا عن جوانب العظمة أو جوانب العبقرية فيها، بغض النظر عن أي شيء أو اعتبار آخر، لذا وجدناه يقدم «عبقرية محمد» وكذلك عبقرية المسيح، ويدرس عبقرية الإمام علي، وكذلك معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص.

وفى التاريخ الحديث يقدم لنا «غاندي» الزعيم الهندي العظيم، ويكتب كذلك عن «محمد على جناح» مؤسس دولة الباكستان، وكان لديه قاعدة في تناول تلك الشخصيات، عبر عنها في مقدمة كتابه «سعد زغلول - سيرة وتحية»، الذي صدر سنة 1938، يقول العقاد: «ومن النقص في جلاء الحقيقة أن يكتب المؤرخ ترجمة لعظيم ثم لا يكون على مودة لذلك العظيم، لأن الترجمة فهم حياة، وفهم الحياة لا يتسق لك بغير عطف ومساجلة شعور»، ولعل هذا ما جعله يتجاهل شخصيات مثل: أمير الشعراء أحمد شوقي، رغم أنه أصدر كتاباً عن ابن الرومي وآخر عن أبى نواس، وثالث عن شكسبير، فلم يكن يحمل تلك «المودة» تجاه شوقي، رغم عبقريته الفذة.

أتحدث عن هذا الجانب اليوم، لأنني أرى في الفضاء الثقافي العربي، عدداً من (المثقفين) جلُّ همهم أن يفتش كل منهم عن نقاط ضعف وعيوب بعض العظماء في حياتنا وفى تاريخنا، ويقوم بتضخيمها واعتبارها كل حياة وسيرة ذلك العظيم، ويتجاهل أي جوانب أخرى، هكذا فعلوا مع صلاح الدين الأيوبي، فلا يجدون في سيرته سوى أنه تفاوض مع الصليبيين بعد «حطين».


ليس صلاح الدين فقط، بل كل الشخصيات العظيمة والمؤثرة في تاريخنا، من أحمد عرابي ومحمد عبده إلى أم كلثوم وقاسم أمين ثم طه حسين، ونشط بعضهم في الأسابيع الأخيرة ضد سعد زغلول بمناسبة مئوية ثورة 19، وراحوا يختزلون حياة هذا الزعيم العظيم في صلته بالأميرة نازلي فاضل، ومصاهرة مصطفى باشا فهمي، الذي كان مقرباً من كرومر، وو..


هؤلاء يتعاملون مع التاريخ ورموزه بمشاعر الرفض والكراهية، بغية الهدم، البعض يتصور أننا لن نتقدم دون هدم كل ما فينا، وبغية البروز واللمعان أحياناً على طريقة الأعرابى الذي بال في بئر زمزم؛ هؤلاء لا يملكون سوى الكراهية والنفور، أو الحقد والغل للحقد ذاته وليس لشيء آخر.