الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التداوي بالوهم

ذكر الفيلسوف الإيطالي (بومبانازي) أن بعض المحتالين قاموا في القرن السادس عشر ببيع عظام حيوانات لمرضى على أنها لقديسين مسيحيين؛ شفوا بالفعل مما عانوه من أمراض رغم خداعهم بطبيعتها، حيث سادت اعتقادات في تلك الأزمنة بأن الإيمان والروحانية وعظام الأولياء قادرةٌ على شفاء المرضى، وبالفعل مارسها بعض الأطباء وأتت بنتائج إيجابية.

لم يقتصر التداوي بالدين على أتباع المذاهب السماوية، بل إن الوثنية منها ومنذ أقدم العصور تشابهت في ذلك معها، فجميعها أدركت ما للتلقين والوهم من قوة فعالة في مخاطبة اللاشعور لدى الإنسان والتحكم به، لتفعيل قواه الداخلية ومناعته للسيطرة على ما يعتريه من علل، دون أن نغفل العامل النفسي الذي يكمن خلف العديد من الأمراض، والذي إن استطاع المعالج السيطرة عليه وفهمه؛ تمكن من التحكم بما يتسبب به من مشاكل ومعضلات وآفات جسدية وعقلية.

من المحير كيف تمكن الوهم من تحقيق المعجزات التي عجز العلم عنها، ومن المستغرب كيف لساحر ومشعوذة من قبيلة بدائية تعيش في الأمازون أو من قبائل الهنود الحمر بالأمريكتين؛ من مقدرة على معالجة المرضى وشفاء أجسادهم بتصرفات وأفعال لا يقبلها العقل والمنطق، فكيف مثلاً بطقوس عبادة عبارة عن ركوب رجل دين على ظهر ممسوس أو حرق بخور والتلفظ بكلمات غير مفهومة؛ تكون كفيلة بنزع العلة من جسد المصاب! ربما يكون التلقين هو صاحب العصا السحرية القادرة على خلق الهوس الجماعي، والذي يعتمد بدوره على حاسة النظر، التي تتأثر هي الأخرى بالوهم السمعي الذي يصدر عن شخص ما مثلاً يدعي أنه قد رأى الزعيم الروحي لطائفته قد ارتفع مترين عن الأرض وهو يحدثهم، ليتناقل المجتمعين الرؤية حتى تتكرس لديهم القناعة بأنهم رأوا ما رآه الراوي.


هوس الجموع ورغبتها بما يشبع تعطشها للخوارق، هو ما مهد لها تكوين خرافة سرعان ما آمنت بها واقتنعت لتنقلها إلى أخرى غائبة، تناقلت عنها الحدث، ليتحول الأمر فيما بعد إلى مكرمةٍ تروى وتدون كجزء من العقيدة القائمة على المشاعر أكثر من العقل، وعلى الإيمان ـ دون الذكاء الفردي الفاقد الوجود ـ في ظل روح الجماعة المسيطرة والمتحكمة لزرع القناعات، التي يجب الأخذ بها دون إرجاعها لمنطق التفحيص العقلي لتبيان صحتها من عدمه.